عند منتصف شارع قابل الشهير بمحلات الصرافة، يقف مهندس الترميم الأثري في المنطقة التاريخية بجدة، المغربي عبدالكبير العسلي، الذي قضى سنوات عديدة وهو يتنقل بين البيوت -التي التي اعتمدت للترميم والتي بلغت وفقاً للمسؤولين في أمانة جدة قرابة 557 مبنى أثرياً- إضافة إلى أزقة الحارات القديمة التي تحمل في طياتها المعرفية والثقافية الكثير من تفاصيل المكان والتاريخ. حينما يتحدث العسلي عن إرث المنطقة التاريخية، ينتقل من كونه "مهندساً أثرياً" إلى "مرشد سياحي"، يعرض تاريخ الزوايا والبيوت التي لم تتأثر بعوامل التعرية وهجر الإنسان، ويمكن وصف الرجل ب"العاشق الكبير" للتاريخية، وهوما يجاهر به مبتهجا. لكن ذلك لا يخفي بين جنبات كلام العسلي نوعا من التأنيب، والتشديد على ضرورة أن يعي المجتمع، وبخاصة الجيل الجديد، أهمية المنطقة التاريخية، لذا تجده في المقابل أكثر الناس سعادة بقرب قدوم مهرجان جدة التاريخية في السادس عشر من يناير الجاري، قائلاً: "إنه سيعزز المكون الثقافي للمنطقة لدى الجميع، فالمحافظة على التراث بجميع تفاصيله هو حس قومي بامتياز، كالعادات والتقاليد واللباس، وإعادة الصناعات التي اشتهرت في تلك الأزمان وغيرها". وعند تحليله وتقييم التداعيات الإنشائية فى المباني الأثرية بالتاريخية، يؤكد العسلي: أن الحكومة السعودية اهتمت كثيراً بهذه المنطقة وضخت أموالا طائلة من أجل المحافظة على أساسات الترميم الأصلي لكل البنايات والمواقع الأثرية، وجلب كبار المختصين في الآثار من أجل ذلك، مشيرا إلى أنموذج حي يتجلى في ترميم 34 مبنى حتى اليوم. فكرة ترميم المنازل الأثرية ستكون بمثابة خط التعريف الأول بالمنطقة التاريخية التي يزيد تاريخها عن 300 عام تقريباً بحسب المصادر. ويشير العسلي إلى أن عمليات ترميم المنزل الواحد تستغرق قرابة الثلاث سنوات تقريباً، 18 شهراً منها تمضي في دراسة أساسات المبنى في التفاصيل الفنية الدقيقة. تسع مراحل تؤخذ في الحسبان عند ترميم أي منزل بداية بدراسة تاريخ المنزل بشكل تفصيلي والعوائل التي سكنته، ثم تأتي مرحلة التوثيق الفوتوجرافي، ومن ثم مرحلة توثيق المنزل عبر الخرائط المعمارية، ثم المسح، وتأتي بعد ذلك مراحل أخذ العينات (التربة، والخشب الداخلي، والأحجار، واللياسة)، وتحليلها في مختبرات هيئة المساحة الجيولوجية، أو مختبرات دول أوربية وغربية عريقة في الاهتمام بالآثار كفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية، ثم تأتي المرحلة الأخيرة بتشكل التصوير الهندسي النهائي للمنزل. .. والمهرجان يدشن "منابره الإلكترونية" جدة: الوطن دشن مهرجان "جدة التاريخية"، حزمة منابره الإلكترونية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وموقعاً إلكترونياً خاصاً تحت مسمى .historicjeddah بالإضافة إلى تطبيق للهواتف الذكية على متاجر (Android) و(Apple) ليكمل بذلك عقد القنوات التي يبث من خلالها أخبار المهرجان وبرامجه وأنشطته بشكل مستمر، إلى جانب التعريف بأبرز المواقع السياحية والأثرية في المنطقة التاريخية بجدة بطريقة تفاعلية. وأوضحت لجنة فعاليات المهرجان أن هذا التوجه يأتي إيماناً بأهمية التواصل عبر استخدام كل أدوات التقنية الحديثة للتعريف بمنطقة جدة القديمة وتوسيع وتطوير مجالات التعريف بالمهرجان. وأضافت اللجنة أن الصور والمعلومات التي تضمنها التطبيق، تشتمل على أغلب مناحي الحياة في المنطقة التاريخية، ابتداء من بيت نصيف التاريخي، ومرورا بالأسواق القديمة، كسوق العلوي، والنهضة، بالإضافة للمباني الأثرية، والشوارع القديمة، حيث أصبح باستطاعة الزائر أو السائح القيام بزيارة مصورة لجدة التاريخية عبر التطبيق، والتعرف على جميع معلومات وبيانات المنطقة. يذكر أن مهرجان جدة ينطلق في الخامس عشر من ربيع الأول الحالي ويستمر لمدة عشرة أيام ويتضمن أكثر من 40 فعالية ميدانية.