إنها لقطة قصيرة مدتها أقل من دقيقة، لكن المتأمل فيها قد يكرر مشاهدتها ليتأكد بأنها تعكس نية مبيتة وقديمة لدى الزعيم الأوحد لكوريا الشمالية، كيم جونغ أون، بالتخلص من تشانغ سونغ- ثايك، زوج عمته والرجل الثاني في الدولة الشيوعية، والوصي غير المعلن فيها على الحكم. نرى الدكتاتور منشرحا في اللقطة وهو يتحدث إلى زوج عمته في مناسبة رسمية، وما أن انتهى الحديث وتراجع سونغ- ثايك إلى الخلف، حتى انقلب الانشراح إلى عكسه فجأة على وجه كيم جونغ، ثم رمقه بالتفاتة غنية بتهديد مكبوت ووعيد 'يمهل ولا يهمل' ومن دون سبب واضح، سوى تأبطه شرا بزوج العمة لاقتناعه بأنه يخطط للإطاحة به، فأرسل وراءه من تربص به طوال أكثر من 4 أشهر، وحين حانت ساعته يوم الاثنين الماضي، أمر باعتقاله وإذلاله، وبعد 4 أيام أعدموه. تاريخ اللقطة هو 27 يوليو الماضي، وهي واحدة من لقطات متنوعة وردت في تقرير متلفز بثته 'سي.أن.أن' الأميركية يوم الجمعة الماضي حين أعلنت كوريا الشمالية عن إعدام تشانغ سونغ- ثايك، وقامت 'العربية.نت' بتحميلها من التقرير وجعلها في فيديو جديد بسرعتين عادية وبطيئة، فقط لإلقاء ضوء جديد على إعدام رجل تورط قبل 38 سنة بالزواج ممن أصبحت الأخطر بين نساء كوريا الشمالية. القليل معروف عن الزوجة كيم كيونغ- هي، التي أبصرت النور مثله في 1946 بالعاصمة بيونغ يانغ، وأهمها أنها انفصلت عن زوجها منذ سنوات، وهي برتبة جنرال في الجيش 'ومدمنة بلا هوادة على احتساء الخمور، إلى درجة أنها لا تخرج من البيت معظم الأوقات' وفق المنشور في أرشيف صحيفة Daily NKالكورية الجنوبية عن العمة التي لا زالت تشغل أيضا منصب السكرتير العام لمنظمة حزب العمال الكوري. وعمة الدكتاتور هي الابنة الوحيدة لجده، مؤسس كوريا الشمالية وزعيمها الراحل كيم ايل سونغ، من زوجته الأولى كيم جونغ سونغ، وشقيقها هو الراحل منذ عامين، كيم جونغ- ايل، والد دكتاتور البلاد الحالي، وكان لها من زوجها الذي أعدموه ابنة وحيدة ولدت في 1977 باسم جانغ كوم- سونغ، وعاشت في باريس كطالبة. وعندما أنهت جانغ كوم دراستها طلبوا منها العودة الى كوريا، فصدمتهم برفض أصرت عليه بسبب صداقتها مع كوري تعرفت إليه بباريس حيث عقدا خطبتهما في حفل شهير وسط رفض العائلة التي اعتبرته من أصل وضيع 'فانتحرت بتناولها في 2006 لكمية أقراص منوّمة دفعة واحدة' وفق رواية رسمية لم تقنع أحدا، وسط أنباء بأن 'الانتحار' لم يكن إلا بطعم اغتيال مصدره عائلتها، ووالدتها بالذات. أنباء مماثلة نشرتها صحيفة 'اندبندنت' البريطانية السبت، وملخصها أن كيم جونغ أون، الذي ورث الحكم بأواخر 2011 خلفا لوالده كيم جونغ- ايل، وقع تحت تأثير مباشر وضغوطات من عمته أدت به إلى اتخاذ القرار بإعدام زوجها بطلب منها، أو أنها شاركت باتخاذ قرار التصفية 'على حد ما ذكرت مصادر عدة' وفقا للصحيفة التي لم تنشر هوية أي مصدر. وهناك أنباء بطعم الشائعات تداولها كوريون جنوبيون في مواقع التواصل، تشير بأن إعدام تشانغ سونغ- ثايك، الذي كان نائبا لرئيس لجنة الدفاع الوطني، المعتبرة هيئة القرار الأكثر نفوذاً في البلاد 'لم يكن شنقا أو رميا بالرصاص، بل بقذيفة هاون' أي كإعدام أون كيم تشول، نائب وزير الجيش، في يناير، لاحتسائه المشروبات الكحولية أثناء فترة الحداد على والد الدكتاتور الحالي الذي 'أراد الانتقام لأبيه، فطلب أن لا يبقى منه ولا حتى شعرة' لذلك مزقوه بالقذيفة ودمروه. بعدها في منتصف هذا العام أمر الدكتاتور بإعدام المغنية هيون سونغ- وول، وهي صديقته السابقة، لتصويرها أفلاما إباحية وبيعها في الصين، فأجهزوا عليها بالرصاص بعد أسبوع من اعتقالها، ومعها أعدموا 17 آخرين تم اعتقالهم، ومعظمهم كان يعمل معها في أوركسترا 'أونهاسو' التي كانت زوجته ري سول- جو، وأم ابنته التي أبصرت النور قبل أشهر، عضوا فيها بالسابق. على ذات الصعيد دعت الولاياتالمتحدة الاسرة الدولية الى موقف موحد في مواجهة كوريا الشمالية بعد اعدام الرجل الثاني شبه الرسمي في هذا البلد، في حدث يزيد من التوتر في سيول المتخوفة من سياسة زعيم بيونغ يانغ التي لا يمكن التكهن بها. وقال جون كيري ان احداث الايام الاخيرة يجب ان تحث "الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية والجميع على البقاء متحدين والا نوفر جهدا بهدف نزع الاسلحة النووية". وكان جانغ سونغ-ثايك (67 عاما) اعتقل وحوكم بتهمة التآمر والفساد ثم اعدم الاسبوع الماضي. وكان يعد الرجل الثاني في النظام وزوج عمة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون الذي خلف والده في قيادة البلاد في ديسمبر 2011 لدى وفاته. وبعد ان اقر بان نظام كوريا الشمالية يبقى "قليل الشفافية" قال كيري ان الولاياتالمتحدة تعتبر كيم جونغ اون زعيما "متهورا لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وقلقا على موقعه داخل هرمية النظام ويتخذ كافة الخطوات للقضاء على اي منافس او خصم محتمل". وقال في حديث بثته قناة اي بي سي الاميركية مساء الاحد "انها طبيعة هذا النظام الدكتاتوري البشع الذي لا يرحم وقلة ثقته بنفسه". واضاف "انه دليل سيء يشير الى عدم الاستقرار والخطر المحدقين". وعبرت سيول عن القلق نفسه حيث حذرت الرئيسة بارك غون-هي الاثنين من "استفزازات محتملة غير مسؤولة" من قبل الشمال. وقالت "نظرا الى التطورات الاخيرة في الشمال من الصعب معرفة في اي اتجاه سيتطور الوضع السياسي". واضافت "لا يمكننا استبعاد امكانية حصول استفزازات غير مسؤولة" معتبرة ان الوضع في شبه الجزيرة "جدي وغير متوقع". ودعت الجيش الى اليقظة على طول الحدود مع الشمال خصوصا قرب الحدود البحرية في البحر الاصفر. واعدام جانغ الحدث السياسي الاهم في كوريا الشمالية منذ وصول كيم جونغ اون الى سدة الحكم. وآراء المحللين متباينة بشأن عملية "التطهير" هذه في رأس هرم السلطة في كوريا الشمالية، فيرى البعض انها دليل على قلة نضج الزعيم الشاب في حين يرى البعض الاخر انها دليل على سطوته المطلقة التي لا تردعه عن التخلص من رجل لم يعد يحتاج اليه. وكثف الزعيم من ظهوره العلني في اليومين الماضيين امام عدسات الكاميرات وزار مزرعة وموقعا لبناء منتجع للتزلج. وذكرت وكالة الانباء الكورية الشمالية ان كيم "لم يتمكن من اخفاء فرحه وابتسم" لدى تبلغه بزيادة حجم صناعة الاسماك هذه السنة. ويرى شين ان-كيون من مركز "كوريا ديفنس نيتوورك" للدراسات ان الزعيم "يحاول ان يظهر بانه سيد الموقف ويريد ان يطمئن الشعب وان يثبت له ان النظام مستقر حتى بعد وفاة جانغ". وقال كيري ان عملية الاعدام "ليست الاولى. اننا على علم بعدد كبير من الاعدامات التي نفذت في الاشهر الماضية". وقال كيري ان هذه العملية تدل على ضرورة نزع الترسانة النووية لكوريا الشمالية وتحريك المفاوضات السداسية (الكوريتان والصين وروسيا والولاياتالمتحدة واليايان) لاقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن برنامجها النووي مقابل الحصول على مساعدة خصوصا في مجال الطاقة