قال أستاذ النقد الأدبي الحديث بجامعة الملك سعود الدكتور صالح زياد في تقييمه للمشهد الروائي السعودي إن الرواية السعودية كثيفة في تدفق إصداراتها، لكن الابتكارات السردية في خضم كثافتها قليلة، وتقع تحت سطوة موضوعات ملحَّة اجتماعياً، وهو ما يأسرها في ما يشبه الغرضية، ويوقعها في دائرة التشابه ويمنعها من التحليق والتعمق. بينما ذهب أستاذ الأدب الحديث بجامعة الملك سعود حسين المناصرة إلى أنه قبل عشرين سنة كان بعض النقاد والمثقفين السعوديين يرددون عبارة تتكرر كثيرًا، وهي: "لا توجد لدينا رواية"، لكن منذ تسعينيات القرن الماضي بدأت الرواية السعودية تتشكل في خطاب أدبي مهم وإشكالي، ثم قفزت منذ مطلع الألفية الثالثة؛ لتشكل الخطاب الإبداعي الأول، وصار بإمكان الباحثين والنقاد أن يتحدثوا عن رواية كمًا ونوعًا، وعن تجارب روائية مميزة محليًا وعربيًا، حصل بعضها على جائزة البوكر العربية. ويؤكد مناصرة أن الرواية السعودية اليوم في أحسن أحوالها، وأنّ هناك عددًا من الروائيين غدوا يشكلون تجارب مميزة. وفي السياق نفسه أشار الناقد خالد الرفاعي إلى أن ثمة تجارب روائية سعودية استطاعت أن تحقق حضورا جيدا، وأن تتجاوز باقتدار حدود المملكة إلى دول الخليج فالعالم العربي، ويؤكد ذلك احتفال بعض النقاد العرب بهذه التجارب، وإدراجها في قوائم تتناول التجربة الروائية الواعدة أو الفاعلة في عالمنا العربي. وفيما يتعلق ب"تجاوزات التابو" رأى المناصرة أن استخدام التابو بدأ منذ نشأة الكتابة الإبداعية، وهناك من يستخدمه استخدامًا غير فني؛ بغرض الشهرة وفي المقابل هناك روائيون وظّفوه بصفته إشكالية فنية بالدرجة الأولى، وحينئذ فإن التجاوزات لا تدين العمل الروائي بقدر ما تدين الشخصيات التي تقبل بهذه التجاوزات، وهنا يمكن القول إنه (لا حياء في الإبداع)، مؤكدا أهمية توظيف التابو بهدف البناء لا الهدم. في حين يصف زياد الروايات المبتذلة بأنها روايات رائجة في العالم، لكن لا أحد يتخذ من ابتذالها هذا، ومن رواجها قيمة لتثمينها فنياً، مفرقا بين التجاوزات الأخلاقية والدينية التي تؤدي إلى ابتذال الرواية والتجاوزات التي تؤدي إلى السمو الفني والأخلاقي والديني، معتبرا أن الرواية ليست رؤية مثالية للواقع، وهي تتخذ من واقعيتها قيمة أخلاقية ودينية تدحض بهما الزور والنفاق. فيما أكّد الرفاعي أن الفردانية والوعي بالمجتمع والشعور بأهمية نقد المجتمع والجرأة خصائص تمتاز بها الرواية، وهي أشبه ما تكون بالروح التي إن خلا منها العمل الروائي أصبح جسدا بلا حراك، وهي أيضا تمنح المبدع صلاحية التدخل فكريا في الحق العام، وتجعله قادرا على تجاوز الأسوار. وفيما يتعلق بالضجة التي تحيط بالأعمال الروائية لمخالفتها ذهنية المجتمع رأى أنه شيء طبيعي إن لم يكن شيئا لازما، مضيفا أن ذلك لا ينفي وجود روايات أساءت استخدام هذه الخصائص، ويتبين ذلك من خلال عزف بعض الروايات على وتر الجنس دون أن يكون لهذا العزف متطلب دلالي أو جمالي، وهي روايات ساقطة بحكم الفن قبل أن تكون ساقطة بحكم الأخلاق. وحول محاكمة الروائي أخلاقيا ودينيا يعتقد المناصرة أن المحاكمات غير مجدية للأخلاق والدين كما أن محاكمة الروائيين الذين وظفوا التابوهات على نحو غير فني لا تزيدهم إلا إشهارًا وإشباعًا لعقدهم النرجسية، ويؤكد زياد ذلك بقوله: "هناك روايات هابطة وغير ذات قيمة صنعت لها محاكمات رواجاً وشهرة"، مؤكدا أهمية الاحتكام إلى الضمير الثقافي والنقدي بديلا عن المحاكمات المؤسسية ودعا المثقفين إلى تعرية الابتذال تجاه أعداء الأخلاق وتجاه مدعيها على حد سواء". بينما أكّد الرفاعي على أهمية حرية الكلمة، على ألا يمنح الأدباء حصانة خاصة، ورأى أن هناك أساسين مهمين لبناء سياق ثقافي قابل لولادة الكلمة الحرة، هما: وعي المبدع بخصائص وسمات الشكل الأدبي، ووعي القارئ بالطريقة الصحيحة لقراءة هذا الشكل الأدبي، وأشار إلى أن الإدانة التي تحيط بكثير من الروايات السعودية تتمُّ في الغالب من خلال أناس لا يعرفون كيف يقرؤون الرواية، وأضاف قائلا: "أسفتُ كثيرا على دعاة ومثقفين تورطوا في تفسيق بعض الأدباء والأديبات، ولقد وجدتهم يبنون أحكامهم المختلة على أسس خاطئة في التلقي. وعن الرسالة التربوية والوعظية للرواية يرى المناصرة أن للرواية رسالة أخلاقية وتربوية لكنها ليست مباشرة، فهي رسالة تخضع لمنظور الفن وجمالياته، وعندما يتناول الروائي مجتمعًا متخيلاً فيه فساد مثلاً، فهو يعبر عن الفساد بصفته قيمة غير أخلاقية، ومن ثمّ تكون الكتابة هنا وسيلة من وسائل الوعظ، ولكن بجماليات الفن التي تتشكل من الإيحاءات والدلالات والمجازات. ويشير زياد إلى أن للأدب -والرواية جزء منه- إشعاعه ودوره في الارتقاء بالوعي وتهذيب الضمير ولكن دونما قصد إلى التعليم والوعظ، لأن هذا القصد يفرغه من أدبيته التي لا حقيقة لها دون ممارستها الحرية وتراميها إليها، فالحرية هي ما يحسم تكوُّن الضمير الفردي والمسؤولية الأخلاقية. فيما ذكر الرفاعي أن الرواية التعليمية موضوع من موضوعات الرواية، وهي كما يرى سعيد علوش لا تسود غالباً إلا في المراحل التي تعاني من غياب القيم الخاصة، وقد يكون من الطريف أن هذه المراحل لا تشهد بطبيعتها وعيا جيدا بأصول وسمات وخصائص الشكل الروائي، وأضاف قائلا: "إن غاية الرواية التنوير، والتنوير لا يكون بملامسة السطحي، كما لا يكون بالتلقين والمباشرة، وإنما يكون باجتماع المكونات الثلاثة: تقديم رؤية فكرية جديدة، عن جزء غير مكشوف من الواقع، بأسلوب مدني".