تعود محافظة "صعدة" إلى واجهة المشهد السياسي اليمني من جديد، خصوصا بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها مؤخرا، والمواجهات العسكرية بين "الحوثيين"، وقبائل موالية للسلطة في "صنعاء"، ما جعل شبح حرب سابعة يخيم على الأجواء، خصوصا أن الحرب السادسة لم تشفَ المحافظة من جراحاتها بعد. “الوطن" كانت سباقة، وزارت "صعدة" قبل التطورات الأخيرة، واقفة على خطوط التماس والمواجهة، وهي في عملها الميداني، سبرت أغوار المحافظة، رغم خطورة الوضع هناك. الطريق إلى صعدة حزمنا حقائبنا واتجهنا إلى اليمن، عبر منفذ "الخضراء" بمنطقة نجران، باتجاه منفذ "قرن خباش"، بعدها اتجهنا لمحافظة "صعدة"، عبر قرى ومناطق "وايله" إحدى أبرز قبائل الحدود السعودية اليمنية، ابتداء ب"العطفين"، ومرورا بوادي "آل أبو جبارة"، حيث كان الوضع فيه هادئا، وجميع الأهالي يمارسون أعمالهم اليومية بهدوء، نتيجة بعدهم نسبيا عن المناطق التي شهدت المواجهات في الحرب السادسة. بعدها مررنا بوادي "الفرع"، ثم "كتاف"، ف"العشاش"، ف"العصايد"، وبعدها "كدم"، لنتتوقف تاليا عند "الرزامات"، القرية التي ولد ونشأ فيها أبرز قيادات الحوثيين، عبد الله عيضة الرزامي (الملقب بأبو يحيى)، حيث كانت القرية مدمرة بالكامل، خاصة منزل الرزامي الذي سوته الطائرات اليمنية بالأرض منذ الحرب الثانية. بعد ذلك مررنا بقرية "نشور"، التي بدأت منها الحرب الحوثية الثانية، بقيادة بدر الدين الحوثي، والد كلٍ من حسين، مؤسس الحركة، وعبد الملك، القائد الحالي، حيث لاحظنا أن الجيش اليمني متمترس داخل القرية، ومتمركز في أعالي الجبال المحيطة بها، ناصبا نقاط تفتيش كثيرة، إلى أن وصلنا إلى "صعدة"، حيث استغرق بنا الطريق خمس ساعات، نتيجة توقفنا المتكرر أمام القرى التي مررنا بها. الدخول إلى صعدة فور وصولنا إلى "صعدة" اتجهنا إلى أحد الفنادق، إلا أن ما فاجأنا، هو عودة الروح إلى المدينة المنكوبة، ورجوع أهلها لممارسة أعمالهم التجارية بصورة مكثفة، وكأن الحرب لم ترهقهم. حيث شكلت الكثافة السكنية داخل أسواق "صعدة"، السمة الأبرز بعد توقف الحرب. بعدها اتجهنا إلى مستشفى "السلام" السعودي، لنلقي نظرة سريعة عليه، ونعود إلى مقر إقامتنا بفندق الشيخ محمد محمد ناجي آل نمر. قرى مدمرة في صباح اليوم التالي قمنا بجولة إلى المناطق المحيطة ب"صعدة"، حيث وقفنا على دمار شبه كامل، داخل المدينة، حيث الأهالي يعيش معظمهم دون مأوى. بعدها اتجهنا إلى مديرية "ضحيان" المركز الرئيسي للحوثيين، فكان الدمار هو سيد الموقف أيضا، فيما الأهالي منشغلون بترميم منازلهم، إلا أن الملاحظ كان غياب التواجد الأمني الحكومي، الذي اكتفى بالتواجد في مداخل مدينة "صعدة". بعدها توجهنا إلى "العند" التي كانت طرقاتها متشققة، وتظهر عليها آثار تعرضها للتفجير بالألغام. لقاء المحافظ بعد جولة صباحية، توجهنا للقاء محافظ "صعدة"، العميد طه هاجر، الذي بدأنا بالحديث قائلا "إنني أعمل ليلا ونهارا من أجل إحلال الأمن والاستقرار في صعدة، محافظة السلام، بتوجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية علي عبدا لله صالح، والتي ترمي إلى إعادة المحافظة إلى ما كانت عليه من التطور والنماء والأمن، والاهتمام بالتنمية في جميع المجالات، وإقامة المشاريع الاستراتيجية". وعن التعاون بينهم وبين السعودية، قال هاجر إن "عملنا مع الأشقاء في المملكة يقوم على أساس متين وعلاقات قوية، ليست وليدة اليوم، ولن نرضى بالمساس بأمن المملكة، لأن أمن المملكة من أمن اليمن، والعكس صحيح". وعن مدى استجابة الحكومة اليمنية، لمطالب المؤسسات والمنظمات الإنسانية العالمية، بتأمين الحياة الكريمة للنازحين من أهالي صعدة، أجاب موضحا أن "الحكومة تعمل على توفير سبل الراحة للنازحين، وتأمين جميع متطلبات الحياة، من المواد الغذائية، والصحية، والملابس، والكثير من الخدمات. ونحن نعمل جاهدين على إعادة الكثير من النازحين لقراهم تدريجيا، خاصة أن أعداد النازحين كثيرة جدا، بعد أن تجاوز عدد النازحين ال 350 ألفا". تطبيق النقاط ال 6 في ثالث أيامنا ب"صعدة"، ذهبنا إلى مقر اللجان المشرفة على تطبيق الشروط الستة لوقف إطلاق النار، حيث التقينا رئيس اللجان، اللواء منصور عبدالجليل، والأعضاء: العميد عبد الوهاب يحيى درة، والشيخ عبدالله قحطان، حيث كان التفاؤل باديا على محياهم، بالرغم من المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم. سألناهم في البداية عن مهمتهم، ومدى تنفيذ الشروط الستة من قبل الحوثيين، حيث أوضح اللواء عبدالجليل أنه ليس لديهم ما يخفونه، وأنهم يعملون في واضحة النهار، و"الجميع يشاهد عملنا الشاق، خاصة بعد أن حصلت فتنة الحرب، ونحن نحاول أن نخمدها بالطرق السلمية، والحوارات المتكررة مع الجانب الحوثي، أو عن طريق الوسطاء، والذين كان لهم دور إيجابي". موضحا أن "الحوثيين التزموا بتنفيذ النقاط الأولى والثانية والثالثة، وسيتم الدخول تاليا إلى النقطتين الرابعة والخامسة، أما الشرط السادس الذي يتعلق بالجانب السعودي، فقد تم الانتهاء منه، بخصوص المخطوفين، وما عدا المنهوبات من بعض الأسلحه والعتاد”. معتبرا أن اللجان "تقوم بعملها وفق ما هو مخطط له، رغم وجود بعض العراقيل". تقدم مستمر "كل يوم يمضي، هو أفضل من سابقه"، هذا ما أكده عضو اللجنة الوطنية المشرفة على تطبيق النقاط الست، العميد عبد الوهاب يحيى درة، والذي أمل أن "يعم الأمن والاستقرار، وأن يعود أهالي المحافظة لأعمالهم"، مشيرا إلى أن "صندوق إعمار صعدة قد انتهى هذه الأيام من عملية حصر المنشآت العامة والخاصة، والتي دمرت من جراء الحرب، وسيتم العمل على إعادة إعمارها، حيث تم تخصيص ما يزيد عن 17 مليار ريال يمني كمرحلة أولى، ينفذها الصندوق". استكمال التطبيق رغم التطور الجاري في تطبيق النقاط ال 6، من قبل الحكومة اليمنية والحوثيين، إلا أن عضو اللجنة المشرفة على التطبيق الشيخ عبدالله قحطان، طالب الحوثيين ب"تنفيذ كل النقاط، وعدم التدخل في صلاحيات السلطة المحلية، والأجهزة الشرعية في المحافظة. كما يجب على الحوثيين الالتزام بنزع الألغام وتفجيرها، واستخراجها في المحاور الثلاثة الأولى، وتسليم جميع المنهوبات، وإطلاق بقية المخطوفين من الجانب اليمني، وبذلك تكون الفتنة في صعدة قد ذهبت أوزارها، وعاد الأمن والأمان إلى محافظة السلام". مضيفا "أعتقد أن الجميع يعمل على تضميد الجراح، ولم الشمل، وإعادة إعمار صعدة". القلق من الحرب أهالي "صعدة"، لا يخفي عدد كبير منهم، خشيتهم من نشوب حرب سابعة، وهو الخوف الذي عبر عنه عبدالله أحمد راجح، معتبرا أن "الوضع صعب، ومازال الكثير من أهالي مدينة صعدة يتوقعون حربا سابعة، بالرغم من أنهم لا يرغبون في ذلك، لأن الخسائر كبيرة على الطرفين، ونحن كأهالي ندفع الثمن، ويجب أن يعرف الجميع أنه لا يوجد أي منزل إلا ولديه فقيد أو فقيدان، والبعض فقد أسرته بالكامل"، كاشفا أن "المعيشة في الوضع الحالي صعبة، والحصول على لقمة العيش يؤرقنا. لدي عائلة تحتاج لتوفير المواد الغذائية"، متمنيا على اللجان المختصة "توفير الإعاشة للأهالي، وأن تكون لديهم دراية بجميع المنازل". رسالة للمحافظ رسالة وجهها المواطن صالح محمد علي، لمحافظ "صعدة"، حول الأوضاع الصعبة التي يعيشها الناس، قائلا "أوجه رسالة لمحافظ صعدة العميد طه هاجر، بأن اللجان المسؤولة عن توفير المواد الغذائية للأهالي، المتضررين من الحرب السادسة، لا تؤدي عملها على الوجه المطلوب"، معتبرا أن هنالك "تفرقة في العطاء من عائلة لأخرى". وهو في شكايته هذه، توقع صالح "وقوع حرب سابعة لا محالة، لأننا نرى ونشاهد ونسمع بأن هناك عراقيل تواجه اللجنة المنفذة للشروط الستة، والجانب الحوثي كما نسمع يقول إن الحكومة لم تنفذ الشروط التي تم وضعها من جانبهم". أثر بعد عين الجولة الميدانية تابعناها، وصولا إلى قرية "آل عقاب"، حيث الدمار يؤثث المكان. فالمكان الذي كان في أوج نشاطه التجاري، والحركة الدائمة في "الفرزة"، وسيارات الأجرة، إلا أن من يشاهد القرية لا يصدق كيف كانت، وكيف أصبحت الآن!. جلسنا مع جمع من أهل القرية، الذين ترددوا في الحديث إلينا في البداية، لتدور تاليا رحى الكلام، حينها أوضح كبير الجالسين ما حصل، قائلا "دمرت قريتنا بالكامل، والتي كانت قرية مهتمة بالتجارة. المصيبة كبيرة على الجميع، ومع هذا لن نستسلم، ولن نجلس مكتوفي الأيدي، ويجب أن يتم إعمار آل عقاب بأسرع وقت ممكن، لأننا صبرنا وليس عندنا أي استطاعة للسكوت على الإهمال الذي تقوم به اللجان، كما سمعنا عنها، ولكن في الحقيقة لم نشاهدهم، وإذا شاهدناهم لا يستمر تواجدهم كثيرا". المواطنون اشتكوا من قلة الحصول على المواد الغذائية، وعندما سألنا الرجل عن ولاء قريته للحوثيين، أجاب منفعلا "هذه الأمور نحتفظ بها لأنفسنا، وليس لأي شخص حق التدخل"، متوقعا في الوقت عينه "قرب وقوع حرب سابعة، وأنها واقعه لا محالة، لأن الجانبين لم يتفقا حتى الآن، بالرغم من وجود لجنة لتنفيذ الشروط الستة"، معتبرا أنه "يجب على الحكومة اليمنية أن توفي ما عليها من حقوق، قبل أن تطالب بتنفيذ النقاط الست”. تشاؤم وإحباط رجل آخر من أهالي قرية "آل عقاب"، ممن تحدثنا معهم، أبدى تشاؤما كبيرا، متوقعا هو الآخر "قرب قيام حرب سابعة"، وعن الأسباب التي أدت لتشاؤمه، أوضح أن "الوضع لا يسر. فلا منازل أعيد إعمارها، وهناك تفرقه من قرية لأخرى، في عملية توزيع المواد الغذائية"، متمنيا أن "تتوقف الحروب بمحافظتنا صعدة، وأن تفتح صفحة جديدة، ولكن بشرط أن تكون هنالك جدية من قبل الجانبين، الحكومة والحوثيين، وأن تكون هنالك لجنة تحاسب المقصرين".