لم يكن أهالي المجتمع المكاوي يعلمون أن مشروعات قطار المشاعر والنقل العام بمكةالمكرمة ستغيب هذا العام موروث "البرزة المكية"، التي يتقن صناعتها سنويا أهالي حي شعب عامر.. الحي الذي أزيل لصالح محطة قطار المشاعر بالمنطقة المركزية قرب الحرم الشريف. ليالي عيد الفطر المبارك بمكةالمكرمة، افتقدت هذا الموروث الشعبي الذي كان يحتضنه حي شعب عامر ومحلة الهجلة وسط مكةالمكرمة، بحكم أن أهالي هذا الحي الذين يتقنون صناعة البرزة المكية تفرقوا وانتقلوا للعيش في أحياء أخرى من مكةالمكرمة. آخر حفلة لفعاليات "البرزة المكية" أقامها أهالي حي شعب عامر ومحلة الهجلة كانت في عيد الفطر العام الماضي، وقبل أن يغادروا هذين الحيين لظروف المشروعات التطويرية بالمنطقة المركزية بمكةالمكرمة، وخاصة مشروع المرحلة الرابعة لتوسعة الساحات الشمالية للحرم المكي الشريف وتحويل المكان إلى موقع للمحطة الرئيسية لقطار المشاعر ومحطة النقل العام. موروث "البرزة المكية" هي عبارة عن احتفالات سنوية يتشارك فيها الأهالي بقيادة عمدة الحي، وتقام في ليل أول أيام عيد الفطر المبارك، تتخللها رقصة المزمار، وقيام جماعات من أهالي الأحياء الأخرى بزيارة الحي، للمشاركة في هذه الحتفالات المميزة. وكانت هذه الحفلات تعم أحياء العاصمة المقدسة سابقا، وقبل نحو 5 سنوات، انحصرت فقط في حيي شعب عامر ومحلة الهجلة، لتشهد سنويا زيارات أهالي الأحياء الأخرى للاستمتاع بلقاءات كبار السن وأهالي الأحياء القديمة، ثم تولت جمعية مراكز الأحياء مهام تنظيم احتفالات الأعياد بمكةالمكرمة وإزالة عدد من المناطق والأحياء السكنية ضمن نطاق مشروعات توسعة الحرم المكي الشريف والمشروعات التطويرية لمكةالمكرمة، وخروج قاطنيها للسكن بالمخططات الجديدة والأحياء الأخرى لمواجهة ما يسمى ب"تخلخل" العلاقات الاجتماعية بين جماعات الأحياء التي طالها التطوير أو الإزالة. وفي المقابل وفي سابقة تنظم للمرة الأولى أمانة العاصمة المقدسة دورا حيويا لاستعادة حفلات البرزة وامتداد إقامتها من خلال خروج الأهالي لحفل رئيسي للعيد بمكةالمكرمة يحمل نفس سمات وطابع البرزة وترسيخها لدى المجتمع المكي. وطالب عدد من عمد الأحياء بمكةالمكرمة الجهات المختصة إلى العمل على إعادة صياغة أحياء الموروث الاجتماعي الخاص بالعيد "البرزة" وترابطها مع الموروث الشعبي "رقصة المزمار" ووضع الآلية المنظمة لها تخوفا من اندثارها. وأشار عمدة حي السلامة بمكةالمكرمة محمد بن شداد الحربي، إلى أنه كان يشهد في فترات سابقة موروثات البرزة المكية، إلا أنه أكد اندثارها جزئيا هذا العام، مؤكدا أن احتفالات العيد التي تقيمها الجهات الحكومية لا تمت بصلة ل"البرزة المكية" وطابعها الاجتماعي، حيث تأتي تلك الاحتفالات بشكل مغاير عن سمة وخصوصية البرزة لتتحول إلى شكل رسمي تمثل في الألوان المختلفة من العروض المسرحية والألعاب النارية والحفلات الخطابية. من جانبه، أكد عمدة حي العزيزية الشرقية حسن بن زايد الحارثي، أن غالبية عمد مكةالمكرمة لديهم محفز قوي على استعادة إقامة البرزة عبر عمل منظم تحت إشراف حكومي مع إيجاد الآلية للتمويل المالي للتنظيم، حيث يعد المورد المالي أهم معوقات إحياء "البرزة"، فيما قدم عمدة حي المعابدة ظافر البيشي، مقترح تنظيم إقامتها على سبيل أن تشترك كل مجموعة من عدد أحياء مكةالمكرمة في إقامتها وفق التوزيع الجغرافي للمناطق المرتبة مع كل مركز قسم شرطة تتبع له مناطقها تحت مظلة وإشراف إمارة مكةالمكرمة والجهات المعنية بذلك. من جهته، أشار الناطق الإعلامي لشرطة العاصمة المقدسة المقدم عبدالمحسن الميمان ل"الوطن"، أن البرزة تشكل أهمية بالغة للمجتمع المكي في احتفالاته، والتي استمرت حتى عهد قريب إلى أن تأسست جمعية مراكز الأحياء التي تولت مهام وأعمال تنظيم احتفالات العيد بمكةالمكرمة، وبالتالي ابتعد كثير من عمد الأحياء عن تنظيمها واقتصر إقامتها خلال السنوات الخمس الماضية على منطقة شعب عامر ومحلة الهجلة، لافتا إلى أن إقامتها تخضع لضوابط وشروط أمنية للتنظيم وتمنح تراخيص من قبل إمارة مكةالمكرمة وتقوم شرطة العاصمة المقدسة بمتابعة إقامة الحفل والإشراف عليه، وشرطة العاصمة المقدسة ترحب بفكرة إيجاد تنظيم لصياغة إقامتها بهدف استمرار هذا الموروث والحفاظ عليه من الاندثار والتلاشي. إلى ذلك، أكدت جمعية مراكز الأحياء بمكةالمكرمة، أنها تنظم أكثر من 74 احتفالية موزعة على عدد من الأحياء خلال عيد هذا العام، إضافة إلى 70 احتفالية تنظمها أمانة العاصمة المقدسة تشمل مختلف العروض والبرامج، مؤكدة عدم ممانعتها في النظر حول استمرار أحياء حفل البرزة كونه موروثا اجتماعيا يمثل المجتمع المكي مع إيجاد آلية للتنظيم وتوسيع قاعدة الإسهام لمشاركة عمد الأحياء ومجالس الأحياء.