أخيراً، نجح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالعودة إلى طاولة مفاوضات السلام. كيري أعلن في 19 يوليو أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية "وضعا أساساً" لتجديد مفاوضات السلام عقب توقف دام ثلاث سنوات تقريباً. يقول تقرير ل"معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" إن استطلاعات الرأي تظهر أنه في حين يؤيد غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين حل الدولتين، إلا أن كل جانب مقتنع بأن الجانب الآخر ليس جادا. لذا يجب على القادة من كلا الطرفين إيجاد سبل لحشد جماهيرهم حول أهمية الوصول إلى تسوية وتوفير مسوغات لبدء محادثات جديدة. من ناحية ثانية، لم يكلف السياسيون اليمينيون في حكومة بنيامين نتنياهو نفسهم عناء منع بدء محادثات جديدة لأنهم مقتنعون بأن العملية سوف تفشل. ومن جانبه، من الواضح أن نتنياهو يريد الحد من قدرة منتقديه على تقويض المحادثات. وهذا كان جزءا من الأسباب التي دفعته لرفض تقديم التزام قبل المفاوضات بأن تقوم نتيجة أي اتفاق على حدود ما قبل 1967. الزعيم اليميني نفتالي بينيت قال إن حزبه سينسحب من الائتلاف إذا قدم رئيس الوزراء مثل ذلك التعهد. كما أشار نتنياهو إلى أن أي اتفاق نهائي مع السلطة الفلسطينية لن يحظى بموافقة حكومته إلا بعد التصديق عليه في استفتاء وطني. حتى إنه أثار شبح إجراء انتخابات جديدة للتصديق على نتائج المفاوضات. ونظراً للسابقة التي أسسها أريئيل شارون - الذي انشق عن الليكود وشكل حزبا جديدا عندما لم يدعم فصيله الحاكم بصورة كافية اتفاقية فك الارتباط عن غزة عام 2005 - فقد تكهن البعض بأن نتنياهو قد يفعل الشيء نفسه في حالة حدوث انفراجة. في ضوء الشكوك المتبادلة بين محمود عباس ونتنياهو بشأن التزام كل منهما بالتوصل إلى اتفاق، فقد أثار كثيرون أسئلة حول ما إذا كان كيري سينجح في إعادتهما إلى طاولة المفاوضات. بيد أنه من الواضح أن كيري كان قادراً على استغلال مشاعر أخرى مشتركة بين القائدين وهي: الرغبة في تجنب توجيه الولاياتالمتحدة اللوم إلى أي منهما جراء فشل استئناف المحادثات. وبالنسبة للفلسطينيين فإن القضية تتعلق أيضاً بالقلق من أن وقوع إخفاق آخر سوف ينهي مساعي السلام الأميركية طوال ما تبقى من فترة ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية، لاسيما نظراً لوجود أزمات أخرى مختلفة تواجهها واشنطن في الداخل والخارج. ما يتجاوز طاولة المفاوضات لعبت التنازلات والفوائد خارج طاولة المفاوضات دوراً في بدء المحادثات، ويرجح أن تستمر تلك الخطوات مع تكشف أحداث المفاوضات. على سبيل المثال، ليس من قبيل المصادفة أن كلاً من كيري وتوني بلير قد اختار مهمة السلام التي قام بها كيري في وقت مبكر من هذا الربيع للإعلان عن حزمة تنمية اقتصادية بقيمة 4 مليارات دولار للضفة الغربية. وكان على الفلسطينيين أن يفترضوا أنهم لو رفضوا التعامل مع كيري، فإن المساعدات لن تكون وشيكة. علاوة على ذلك، يعلم عباس أن الجميع يريدون عودة السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات، لذلك استغل هذه الأداة المؤثرة لتأمين تنازلين: إطلاق سراح نحو 80 من سجناء "فتح" على مراحل، وفرض قيود على بناء المستوطنات الإسرائيلية. ومن جانبها، يبدو أن إسرائيل قد نجحت في تأمين الحصول على التزام من عباس بعدم العودة إلى الأممالمتحدة لترقية مكانة السلطة الفلسطينية في المنظمات الدولية طالما استمرت المفاوضات على مدار الأشهر الستة إلى التسعة المقبلة. القضايا الهيكلية يبدو أن جميع الأطراف تعلمت درساً واحداً على الأقل من المفاوضات التي دامت ثلاثة أسابيع وجرت عام 2010. فقد استلزمت العملية آنذاك أن يتفاوض القادة بأنفسهم - وهو إجراء كان محفوفاً بمخاطر سياسية ونجم عنه الوصول بسرعة إلى طريق مسدود. لكن مع مشاركة مولخو وليفني وعريقات كمفاوضين، فإن أياً من الزعيمين، عباس ونتنياهو، لن يتعرض هذه المرة لعقبات مثيرة للجدل في وقت مبكر من المباحثات. ورغم ضرورة اتخاذ قرارات هامة في النهاية من قبل القادة، إلا أنه لا يزال بإمكان الجهود التي تبذل عبر القنوات الخلفية المساعدة على كسر الجمود الذي يحدث في المحادثات الرسمية. الدور الإقليمي في المحادثات غير واضح حتى الآن. وقد أعطى القادة العرب غطاءً سياسياً لعباس في الأسبوع الماضي بإعرابهم عن دعمهم لمبادرة كيري للسلام؛ وفي أحسن الأحوال، سوف يستمر ذلك على الأرجح بمجرد بدء أعمال التفاوض الشاقة. وفي مصر، يمكن أن يحد عزل الجيش لحكومة "الإخوان المسلمين" من قدرة "حماس" على تكدير المفاوضات، لكن من الواضح أن الوضع لا يزال متقلباً. وفي غضون ذلك، قرر الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي عدم تمويل أي أنشطة إسرائيلية في أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبالإضافة إلى إمكانية التأثير على الاتفاقيات التجارية المستقبلية، بإمكان هذا التحرك أيضاً أن يزيد من صلابة المواقف الفلسطينية حول ضرورة التوصل إلى تسوية إذا آمنت السلطة الفلسطينية أن باستطاعتها الاعتماد على بروكسل للضغط على إسرائيل خارج غرفة التفاوض.