محمد أحمد العسيري * حين تأذن الشمس للنهار، ويميل ظل الشجر رويداً رويداً تفيقين من سباتك القريب لتسكني الفضاء.. وحدكِ والفضاء عاشقان، يحضنكِ الأفق الواسع فتميلين بجناحيكِ.. تلفيهما حول خصره النحيل. سنونوة كنتِ تحلمين بوجه النهار وسمرة الشمس تلفح ريشكِ الأسود، ترفرفين كالجنون، كقطعة الليل المسافرة خلف اصفرار الشمس حيث تعبثين. اقتربي من تجاعيد الأرض، ورائحة الوادي، اغسلي وجهك المسكوب في عيني، وصوتك الشادي يطرب السفح الملثم بالخضار. أصبح لي موعد معك، والنسيم يدغدغ سنابل القمح، وأصوات الفلاحين تملأ الحقول..أهرب من أنفاس الوجوه.. أركض فوق الطين البارد، وأصعد صدر الوادي الساكن في قعر الماضي أرقب وجه السماء بانتظار ريشك وهو يهدهد النسيم.. كثيرا ما كنت أتسمر خوفاً من فزعك، أمد يدي كلما حلقتي للبعيد وقلبي يخفق عشقاً ووجلاً عليكِ. سنونوة التهائم.. هل تعودين كأطياف الربيع قلادة تزين جيد الجبل؟ ورقصة سنبلة شقراء وقت الحصاد؟.. لا تختفي بين كثبان العطش، فريشك الناعم يكره العطش ويكره السراب. سلمى منذ سكنت في المنزل المهجور المجاور لنا وأنا أسمع صوت سعالها يسري في سكون الليل يملأ المكان ضجيجاً، سعال يستمر طويلاً يصل لدرجة الإغماء أحياناً.. كنتُ ألاحظ في وجه أمي الكثير من الحزن عندما تتحدث مع جارتنا أم خالد عن صحتها وحال ابنتها الوحيدة، ولم أكن أعي ما الذي يحدث، غير أن الأمر مزعج للغاية.. من جدار البيت الملتصق بمطبخنا الصغير الذي أتسلقه كل مغرب من أجل سماع صوتها وهي تغني والمشط في يدها ينسل بين شعر ابنتها مع ضوء سراج خافت، وصوت جميل لم تؤثر فيه شدة السعال والنزيف الذي يخرج من رئتيها وملامح وجهها مدفونة بالحزن والشحوب، وهالات سوداء تحيط بعينيها.. في مغرب يوم عاصف سكتت ولم تغن، صمت سعالها وعاد الهدوء يمسح وجه المكان.. تسلقت الجدار فلم أجد غير ظلام حالك وفناء بلا ملامح..عاد المنزل المجاور مهجوراً كما كان. ركضت لأمي فوجدتها صامتة بدموع حارقة وجاراتنا يحطن بها وهن يتحدثن عن موتها هذا الصباح.. ماتت سلمى! * كاتب السعودي