كانت تمشي كالهدهد.. تتهادى.. نظر إليها وقيّمها بسرعة. إنها ثروة تمشي على الأرض. أتتخيل جمال ثروة تتهادى؟ كهدهد من الذهب يبرق ويبرق. تتابعه ببصرك حتى يرهقك البريق فتشيح بعينك بعيدا. لابد أن ساعتها مطعمّة بالكامل بالألماس. يميز هذا البريق جيدا.. لن تقلّ عن عشرة آلاف. والثوب، أوه.. لابد أنه لا يقل عن خمسة آلاف بهذا التصميم الانسيابي الذي يدرك نجومية صاحبه. الحقيبة أيضا تلوح علامتها كدرّة. العقد، والخاتم، والأقراط.. أوه إنها مهنته؛ تقييم الآخرين! رجّح أن تسريحة شعرها ثروة أخرى، وزينة وجهها أيضا. كل ما فيها لا تقل قيمته عن آلاف وآلاف. وها هي تتهادى أمامه ببطء وجمال. أيمكن للمال أن يمشي بسرعة؟ أو بعملية؟ أو بطريقة مستقيمة؟ المال يميل، يعوّج، ينكسر وجهه كصفحة الماء إذا سقطت عليها الشمس.. لا يستقيم أبدا. نظر إلى ساعته، هي أيضا عالمية الصنع، لكنه متأكد أنه لن يبدو كهدهد، لن تكون خطواته متناغمة مثلها. قد يبدو كجبل من المال يتحرك بتثاقل، لكنه لن يضاهي بريقها. فكر لحظتها في خطفها. ليس بحاجة للمال، لكن امتلاك هذا الوميض أمر مغر، يسيطر على حواسه! لو جردها من كل شيء، وباع كل شيء ترتديه، سيحصل على ثروة تتجاوز خمسين ألفا ربما. ليس محتاجا.. لكنه يريدها. ترك قهوته، لمْ ينهها. توجه إليها. لو رأى نفسه في الزجاج المقابل لوجد أن عينيه تلمعان بشدة. نادل كان يراقبه يلحق بها قبل أن تصل للباب. أحنى رأسه بطريقة مسرحية، وقف بطريقة مسرحية، وتحركت شفتاه بطريقة مسرحية. فكر النادل، لو أخطفهما معا.. لو أرفع سلاحا في وجههما، أجردهما من كل هذه الثروة التي تضيء أمامي.. أحظى بدواء منتظم لأمي، ومنزل لأطفالي لا يطردني منه أحد! لابد أنني سأرتكب ذنبا عظيما.. لكنّ، لكنّ هذا كله سيريحني من الكثير. هي أيضا راقبت النادل يحملق فيهما. ابتسمت، أنهت قهوتها المرّة، وتحركّت ببطء على عصاها. سألته: بنيّ، أحتاج لمن يوصلني إلى سيارتي. وأشعر بالدوار، أتستطيع مساعدتي؟! جفل. ارتعشت شفتاه: ن.. نع.. نعم. بالتأكيد. تفضلي من هنا. مرّا بجانبهما، توقف الهدهد والجبل ونظرا إليهما. بحركة مسرحية قذف البقشيش للنادل، معتذرا أن سحرها أنساه اللياقة. شيء ما في عيني العجوز أوقفه، احمرّ وجهه وتراجع. في حين ابتسم الهدهد وتحرك بذات البطء بعيدا، بنفس البريق. تابع النادل طريقه مع العجوز. التفت للوراء.. اهتز الجبل كحلوى الجيلو. حلوى ذهبية جميلة يحبها الأطفال.. لكنها لا تشبعهم أبدا؛ ملأى بالسكر. - أنت لطيف جدا، يا بنيّ. تبدو كحجر جميل غارق في الماء. ابتسمت له. هل أخطأ وأعماه ضوء الشمس لحظتها؟ لمْ ينظر للشمس منذ زمن طويل. النادل ينحني لرفع الأطباق، للزبائن، لأخذ الإكرامية، للتنظيف... كيف يجد وقتا للشمس؟ لكنه شعر بعمى مؤقت. ثم، عاد وابتسم لها بحرارة. شيء ما جعله يشعر بالدفء. شاهدته يمضي عائدا لعمله. زمرد يخطف الأبصار، كالقلادة التي وضعتها في جيبه خلسة حين ابتسمت.