أضحت ظاهرة تسرب بعض العمالة المنزلية، لا سيما العاملات، مشكلة تؤرق المواطنين، خاصة أنهم يعمدون إلى الهروب بعد قدومهم إلى المملكة بفترة تتراوح ما بين 5 و7 أشهر، بحثا عن مقابل مادي أكثر مما يحصلون عليه. ورصدت"الوطن" وجود سوق سوداء لهؤلاء العمالة، يديرها سماسرة من بني جلدتهم، فضلا عن امتهان بعضهم بيع المأكولات الشعبية، والملابس المستعملة، والبهارات الأفريقية، والأجهزة الكهربائية، وغسيل السيارات. سماسرة ووفقا لعدد من الأهالي فإن السماسرة أنفسهم من المخالفين، فمنهم من هرب من كفيله، وآخرون من متخلفي الحج والعمرة، بل هناك من قدم إلى المملكة بطرق غير شرعية، حيث دخلوا عن طريق التهريب والتنقل بوثائق غير رسمية. وطالب عدد من المواطنين التقتهم "الوطن" بضرورة وجود نظام يقنن الحج والعمرة لمنع ظاهرة التخلف، ويحد من ظاهرة هروب العاملين من كفلائهم. وأشار أحمد الغامدي "من سكان الكرنتينا" إلى أن الحي يعج بالعمالة المخالفة الذين يعملون في غسل السيارات، مضيفا "من كثرة أعدادهم ألفنا وجودهم"، لافتا إلى أنهم يحتكرون غسل السيارت، مرجعا ذلك لقبولهم بأسعار زهيدة، محذرا من تأثير ذلك على الشوارع والصحة العامة، موضحا أن مياه الغسيل تسببت في وجود حفر تتجمع فيها المياه التي أصبحت مرتعا للبعوض. من جهته أكد المواطن صالح أمين "من سكان حي السبيل" أن معظم العمالة المخالفة تأخذ من المساكن الشعبية مقرا لها، لافتا إلى أن بعضهم يعمل على جمع الكراتين ونبش الحاويات، وآخرون يحملون عبوات المياه لبيعها أمام الإشارات المرورية، مشيرا إلى أن وجود السماسرة ساعد على انتشارهم، مبينا أن رسوم السمسرة تتراوح ما بين 200-350 ريالا سواء للعاملة أو السائق الخاص. هروب وملاحقة من جهتها، أكدت مصادر من القنصلية الإندونيسية في جدة ل"الوطن" تصاعد حالات هروب العاملات الإندونيسيات، محملة المسؤولية في ذلك إلى السماسرة الذين يشجعونهن على الهرب بعد انقضاء مدة الأشهر الأولى من تواجدهن لدى كفلائهن، وأفادت بأن مكتب شؤون العاملات في القنصلية يستقبل نحو 60 حالة هروب شهريا ممن يطلبون السفر إلى بلادهم. من جهته، أوضح الناطق الإعلامي في شرطة جدة العميد مسفر الجعيد ل"الوطن" أن الجهات الأمنية تعمل وفق خطة تعتمد على تكثيف الحملات الأمنية المنفذة من دوريات الأمن، مؤكدا تواجد الدوريات الأمنية ودوريات البحث الجنائي على مدى 24 ساعة لحفظ الأمن داخل الأحياء. وبين أن هناك حملتين تقوم بهما الجهات الأمنية تعرف "بحملة ضياء" حيث تكون مشتركة مع الجهات الحكومية الأخرى كالجوازات والبحث الجنائي للقبض على العمالة المخالفة والمتخلفين، ومداهمة الأوكار التي تضم هذه العمالة وتركز على الأحياء الشعبية مثل: غليل، والسبيل، والكرنتينا، والمصفاة والبوادي. أما الحملة الأخرى وتعرف بحملة "الظواهر السلبية" فتركز على المتسولين والباعة المتجولين والعمالة التي تقوم بتأجير الدراجات النارية. وأكد أن الشرطة تنفذ حملات أمنية لمحاربة الجريمة في كافة أحياء جدة ولا تقتصر على حي معين، مبينا أنه جرى ضبط العديد من الحالات المخالفة، منها أوكار تبيع المواد الغذائية المنتهية الصلاحية، وجرى تحريزها وتسليمها للجهة المعنية لإتلافها، كذلك تم ضبط العديد من الحالات الجنائية التي جرى إحالتها للجهة المختصة. مداهمات ليلية وفي ذات السياق أكد الناطق الإعلامي لمديرية جوازات منطقة مكةالمكرمة المقدم محمد الحسين، أن الجوازات تنفذ حملات مداهمة مع الجهات المختصة لمتابعة أوكار المتخلفين في أحياء جدة، مضيفا أن هناك حملات تنظمها الجوازات لأوكار السماسرة ممن يعملون في تأجير العمالة المخالفة أو تسكينهم، فتقوم فرق البحث والتحري في رصد المنازل التي تقوم بتسكين المخالفين من العمالة ومداهمة هذه المنازل والقبض عليهم، مشيرا أنه في حال القبض على عمالة مجهولة أثناء المداهمات يتم تسليمهم لإدارة الوافدين للتحقق من نظام البصمة والخصائص الحيوية لمعرفة الكيفية التي دخل بها إلى السعودية، ومعرفة هوية العامل وكفيله إذا كان من العمالة الهاربة من الكفلاء. وأكد بعد القبض على العمالة يتم التأكد من سجلاتهم حتى يتم تسليمهم للجهات الرسمية في حال اكتشاف وجود قضايا أمنية مطلوبين بها، أما العمالة التي يتم القبض عليها دون أن يكون عليها جرائم أو غير مطلوبين فيتم تسليمهم إلى الترحيل لإنهاء إجراء سفرهم. صلاحيات نظامية من جهته أكد عضو مجلس الشورى ونائب رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة بالمجلس الدكتور فهد بن حمود العنزي ل"الوطن" أن مجلس الشورى ناقش تعديل بعض مواد نظام العمل ووضع قواعد تهدف للحد من ظاهرة مخالفي أنظمة العمل في السعودية، وإعطاء وزارة الداخلية ووزارة العمل صلاحيات أكثر للقضاء على تواجدهم، مشيرا أن معالجة ظاهرة وجود العمالة المخالفة تتطلب عدة جوانب ومجهودات من عدة جهات لتشديد العقوبات على المخالفين لنظام الإقامة وإيجاد عقوبات رادعة لكل من يخالف النظام، إلى جانب ما يترتب على وجود هذه العمالة المخالفة من نواح سلبية تتعلق بالمجتمع وقد تهدد الأمن. وأضاف العنزي أن على المواطن دورا كبيرا وهاما في القضاء على هذه الظاهرة والتغلب عليها في عدم التعاون مع المخالفين أو إتاحة الفرصة لهم من أجل العمل أو إيوائهم في مساكن، مشيرا إلى أن ذلك يساعد في انتشار العمالة المخالفة. وطالب من الجهات التنفيذية في الدولة أن تدرك خطورة وجود العمالة المخالفة، مؤكدا على ضرورة تفعيل نظام يحد من وجود هذه العمالة، وتحديد طرق حديثة لضبطها ومحاسبتها، إلى جانب وجود حملات توعوية لتعريف المواطن بمدى خطورة التعامل مع العمالة المخالفة والتستر عليها، وإطلاعهم على ما يترتب على ذلك من عقوبات إزاء ذلك. وأوضح أن المقترحات التي وضعت في مجلس الشورى تعزز مكافحة العمالة المخالفة من خلال إيجاد قواعد مرنة تسهل للجهات التنفيذية ضبطها، وكذلك القواعد التي وضعها مجلس الشورى لمنع الاستقدام عن مشغلي العمالة المخالفة لمدة خمس سنوات وغيرها من الإجراءات التنظيمية. فيما أكدت عضو المجلس التنفيذي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان سهيلة زين العابدين على أهمية تواجد مكاتب تنسيقية سعودية تعمل في البلاد التي نستقدم منها العمالة، لتقديم الضمانات للطرفين حتى نتجنب الكثير من التجاوزات التي تحدث كتزوير التقارير الطبية وغيرها من المخالفات الأخرى.