"أيوب" رجل محبوب ومُقنع وناجح، يدير شركته الخاصة ذات 25 موظفا بكل احترافية وجودة، أجواء العمل صحية وتدعو للحماس والإنتاج، بدأ نجمه يعلو ويظهر وأصبحت وسائل الإعلام تهتم بتجربته العصامية ومساره التصاعدي الجميل حيث بدأ صغيراً وها هو يكُبر. بدأ "أيوب" كتابة يومياته وأفكاره، فمثله لابد أن يدون التاريخ ويرصد التحولات ويفرح بهذا الارتقاء والتألق في حياته. كانت يومياته تحوم حول الإنسان الذي هو محور العالم، وهو بكل تأكيد روح كل عمل أو منتج أو مبادرة، في ذات السياق ركز أيوب في يومياته الجميلة على فهم الإنسان ومن ثم التعامل معه وإدارته بالطريقة الأفضل، حيث يحقق الجميع النجاح والسعادة والكل هنا منتصر. تجربة "أيوب" ثرية كونه تحول إلى نقطة جذب مهمة للكثير من الناس واستطاع أن يكسب رضا العملاء والموظفين، بالإضافة إلى محبة وتجاوب العائلة والأصدقاء في ذات الوقت، وهي معادلة مهمة وتستحق التأمل. كان "أيوب" ذا شغف بقضية فهم النفسيات وتحليل الشخصيات ثم العمل من خلال النتائج؛ وهذا جعل عالم العلاقات والأعمال والأسرة الخاص به أكثر متانة وعمقاً، كما أنه جعله قريبا من أهدافه وبعيدا عن الكثير من الصراعات والصدامات التي يقع فيها الناس من حوله، فهو قادر على إدارة العلاقات بشكل ذكي وقيادة الحوار بشكل احترفي مهما كانت الشخصية المقابلة مستفزة أو غريبة، بالإضافة إلى أنه من خلال هذه المعرفة استطاع أن يقسّم الأدوار ويعطي كل شخص ما يناسب إمكانياته وشخصيته، ناهيك عن معرفة مع من يعمق العلاقة ومع من يجعلها سطحية، ومن يتبسط معه ومن يعامله بشكل رسمي. هذا الإدارك الهام جعل "أيوب" يختار أفضل الموارد البشرية لأعماله كما أنه أصبح يعرف مفاتيح الكثير ممن حوله، وكيف يكون قادرا على إقناعهم والتواصل معهم بشكل إيجابي وفعال. والمكسب العظيم هو إدارة المنافسين والشخصيات السلبية التي تحيط به أو في محيطه العام، وكيفية تجاوز كل هذه الشخصيات السلبية أو المشاغبة التي تخلق المشاكل أو المفاجأة. ومن خلال تجربة "أيوب" ننطلق لتأمل واقعنا كم يكون جميلاً عندما نفهم شخصيات من حولنا ونتعامل على أساس هذه الفهم في عالمنا الواسع، فلكل شخصية نقاط قوة ومواطن ضعف، وهنا علينا أن نعزز مواطن القوة ولا نستغل مواطن الضعف، بل نحاول تطوير من حولنا ليصلوا إلى مراحل متقدمة من البناء الشخصي الإيجابي وإدارة الذات بشكل حكيم ومتزن يخدمهم في حياتهم ويميزهم عن غيرهم. فعندما نفهم المزاجي فإننا نبتعد عنه في لحظات تردي مزاجه، وعندما نستوعب الحساس فإننا نبتعد عن نقاط التحسس لديه وندعم ثقته في نفسه، وحين نستوعب الانفعالي فإننا نعرف أنه طيب القلب إذا هدأ، وحينما نقابل الشكاك فإننا نعزز مواطن الثقة المتبادلة ولا ندخل في المناطق الشائكة لديه بل نعامله بحذر، وإذا قابلنا الاعتمادي أو التجنبي فإننا نعرف أنه لا يصلح للأعمال القيادية لأنه سوف يعطل العمل، وحين نتعامل مع الفصامي فإننا نستوعب أنه صاحب قلب طيب ولكنه بارد في العمل والمشاعر والأحاسيس ويظهر عليه الجمود في ردود الأفعال أكثر وهنا لا نظلمه، وفي حال قابلنا الاستعراضي فهو الشخص المناسب للرحلات والسفر وظريف جداً، ولكنه ليس مناسبا للعمل والإنتاج كثيراً. وإذا صادف أن قابلت النرجسي فهو متعال ومتكبر بطبعه ويحسُن التعامل معه بفخامة بالغة حتى يتفاعل معك، وإذا قدر الله اللقاء بالسكيوباتي أو السادي فهما من الشخصيات التي لا يعمق الإنسان العلاقة معهما ويحذر منهما، فالأول لديه ميل للإجرام والثاني لديه كُره واحتقار كبير للآخرين، هذا الفهم كذلك يجعلني لا أتأثر بالشخصية الاكتئابية التي تنظر لكل شيء من حولها يتوشح السواد، كذلك أتعلم كيف أكون حذرا ودقيقا جداً مع الشخصية السلبية العدوانية التي تهوى الغدر والخداع، وكيف أحتوي الشخصية الوسواسية التي تتسم بالدقة العميقة والحرص الدائم معه مع قدر من القلق. وغيرها من سمات الشخصية التي غالب الناس يملكون مزيجا منها وفيها السلبيات والإيجابيات، وهنا فهمنا يجعلنا في أوضاع اجتماعية وعملية ونفسية وأسرية أفضل، فعندما نفهم أنفسنا فإننا نكون أقدر على استثمار كل ما هو جميل ورائع لدينا، وإدارة ومعالجة كل ما هو سلبي أو سيئ في شخصياتنا، بالإضافة إلى فهم العالم من حولنا والقدرة على التحرك بسلام وانتظام. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الوفود حريص على فهم وضع كل قبيلة وخصائصها وطبيعة زعيمها، قبل أن يصل وفدُها إليه، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتولى هذه المهمة فهو نساب وخبير بالناس والمجتمعات، وهذا سهل كثيرا من التوافق ونجاح دخول الكثير من القبائل في الإسلام، فكان هناك تصور دقيق لنفسيات وشخصيات الأفراد والجماعات مكن من نجاح التعامل معهم والتعاطي مع الاختلافات والخلفيات التي يحملونها. فالقائد النموذجي هو الذي يستطيع أن يتعامل مع كل من حوله ويوظفهم بالشكل المناسب لشخصياتهم وإمكانياتهم ويحتوي كل الشرائح والأجناس بذكائه الاجتماعي وإدراكه النفسي وعمقه الإداري وتصوره الحكيم للواقع وطبائع البشر وتحولاتهم. ومن هنا ففهم النفسيات وتحليل الشخصيات ليس علماً ترفياً بل ضرورة للجميع مهما كانت الأعمار أو المناصب أو الاهتمامات، فنحن نعيش في كوكب واحد ولا نستطيع أن نعيش بمعزل عن بعضنا البعض ولهذا فلكما فهمنا بعضنا استطعنا أن نكون في مناطق أكثر دفئ في العلاقات وجدوىً في النتائج والأعمال والمخرجات .