الفنان إنسان لا يمكنه أن يتجاهل قضايا مجتمعه، خصوصاً إن كانت تلك القضايا إنسانية، فيتفاعل معها حد الانصهار بها، ويخلق منها ما يثبت به فؤاده. زار أحمد مركز رعاية الأيتام عام (2003) وفي رواق المركز علت صرخة طفل يتيم جاءت من خلفه مباشرة هزت سكون الكون، فالتفت إليه مذعورا، سكنت صورة الطفل في مخيلته، وظل طيلة ليلته يفكر في تلك الصرخة التي فجعت الإنسان فيه، محللاً حياة هذا البريء الموسومة بالعار، وما مر بها، وكيف اقترفت ذنب وجوده روحان لا تعرفان معنى للإنسانية؟ سقطتا لحظة الضعف في بئر الخطيئة! رسم الفنان قصة اليتيم ممثلة في عناصر تدور حول والديه اللذين ظهرا كرمز خفي دلالة على جهل هويتهما، نستدل على وجودهما من خلال الخطوط المموهة فرقم (1) يرمز للأب والذي يأتي في مقدمة اللوحة، ونراه يقدم جسده على جسد الأم رقم (2) يظهر ذلك من خلال الخط الذي كسره عند التقاء كتفيهما نشير لذلك بالرقم (9) رغم رسمه لخطي الكتفين بشكل متساوي لقد رمز الفنان لمضمون العمل بشكل خفي، فتقدم الأب دلالة على فداحة جرمه، كما أنه يعطي ظهره للمرأة التي تقاسم معها لحظة الذنب، في إشارة تأكيدية لفعله المشين ولم يشر الفنان في رمزيته للأب بما يشير لبعض من ملامحه، بل أشار إلى مربع يتوسط رأس الأب. لماذا اختار الفنان المربع للتعبير عن الجزء الأهم من ملامح الأب؟ يدرك الفنان أن المربع يأتي تعبيراً عن التوتر واليأس فسربه من روح المذنب لروح المظلوم. وفي تدقيق لصورة الأم نلاحظ أنه منحها ذلك البعض الذي تجاهله من ملامح الأب، وركّز على منطقة الأنف تحديداً التي هي أحد ما يرثه الجنين من والديه، موضع كرامة الإنسان وعزته نشير لذلك برقم (5) ووضع خطاً رفيعاً للتعبير عن الفم، ثم يأتينا العنصر الأكثر وضوحاً وحضوراً اليتيم وصرخته العنيفة، والتي أعادت الفنان لواقعيته التي هجرها منذ زمن للدلالة على أن ثمرة الذنب تظل ظاهرة وموجودة، نباشرها حقيقة بأرواحنا وأعيننا، وقد كسا وجه اليتيم سمرة تغلب على أيتام الملجأ ويضعه العنصر صاحب السيادة في اللوحة. يحرص الفنان في أدائه لأعماله على تقسيم العمل الفني، ونراه في هذه اللوحة قد قسمها إلى نصفين بخط أفقي، يمتد من الخط الممثل لكتف الأم، وينتهي عند نهاية خط الكتف للأب، ثم قسم اللوحة إلى ثلاثة أقسام عمودية، خص الأول للأب، والثاني للأم، والثالث للعنصر الرئيس الطفل. كما استخدم الفنان ألوانه المفضلة البنيات، والبرتقالي، والأصفر الكادميوم، وعمد إلى إدخال اللون الأزرق القاتم في ضربات لا تكاد تظهر بوضوح، ونلاحظ عملية توزان، وتكرار اللون في جسدي الأب والأم كذلك في منطقة الرأس وجزء من جسد الطفل في إشارة لانقسامه منهم، إنه يملك حساً عالياً في توظيف اللون لغايته. حركة الخطوط المتداخلة تبوح بالحالة السيكولوجية التي رزح تحتها الفنان، فنراها وقد تقاطعت مع بعضها في حالة استنفار، وغضب، وكأنما يريد أن يهز الأرض لتتحرك بحثاً عن والديّ الطفل الآثمين. تحتل كتلة العمل ثلاثة أرباع العمل الفني، وتركن إلى الجانب الأيسر تقريبا ومنطقة العمق في اللوحة. اللوحة تعبر عن حالة نفسية بحتة يخاطب فيها الفنان بوجدانه العالم، هو يرى أن الفنان كتلة من المشاعر وأنه لن يكون قادراً على التأثير ما لم يتأثر بما حوله، يقول أحمد: "حين تعتمرني حالة ما أعيشها بأبعادها تصدّقني بتفاصيلها وأصدّقها بألواني..".