بين مصروفات ضخمة شهدتها ميزانية العام الحالي 2012 متجاوزة التوقعات بأكثر من 163 مليار ريال، وتقديرات بصرف 820 مليار ريال خلال العام المقبل 2013، اتفق أكاديمي وخبير اقتصاديان تحدثا ل"الوطن"، على أهمية استمرار عملية التنمية إلى الأفضل، وحاجتها الملحة إلى جهود تنفيذية ضخمة على مستوى الوزارات لضمان تحقيق المنفعة الكلية من كل ما يخصص من إنفاق توسعي مستمر في الزيادة، مشيرين إلى نجاح سياسة المملكة في زيادة حجم الاحتياطات المالية، وخفض الدين العام إلى 98.8 مليار ريال، وهو مايمثل 3.6 % من الناتج المحلي الإجمالي. وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامة فلالي، إن خطة الدولة الخمسية تتمثل في تنمية الموارد البشرية وإكساب المواطنين مهارات تعليمية وتدريبية عالية، مضيفا "وهذه الميزانية خصصت نسبة كبيرة منها للتعليم وذلك لأهمية العنصر البشري". وبين الفلالي أنه وعندما تكتسب العناصر البشرية مهارات جديدة من تعليم وتدريب فإن ذلك بلا أدنى شك سينعكس على الكفاءة الإنتاجية وبالتالي زيادة الإنتاج وتحسنه على حد قوله. وأضاف الفلالي أن مصرفات السنة القادمة تشير إلى أهمية عملية التنمية، مبينا أنها عملية دائمة ومستمرة من الأفضل إلى الأحسن، مستدركا ما تشهده مدن المملكة عموما من توسع جغرافي ونمو في عدد السكان الذي يزيد بنسبة كبيرة، لافتا إلى أن معدل النمو في المملكة يعد الأكبر عالميا بقرابة ال4% سنويا، مشيرا إلى أن هذا الأمر يتطلب زيادة في جميع الخدمات الحكومية العامة بنسبة لا تقل عن 5%. من جهته قال الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إن تقديرات ميزانية العام 2013 أتت لتسجل رقما قياسيا جديدا باعتبارها الأضخم تاريخيا في المملكة، بحجم نفقات متوقعة قدرت ب820 مليار ريال، مقابل إيرادات قدرت ب829 مليار ريال، وفائضا متوقعا بحدود 9 مليارات ريال. وأضاف البوعينين أنه وبرغم قياسية الأرقام إلا أنه من المتوقع أن يزيد الفائض في العام 2013 عما هو متوقع بكثير، مرجعا ذلك إلى أن المملكة تتحفظ في احتساب سعر برميل النفط الذي تُبنى عليه أرقام الميزانية، وتضع في اعتبارها متغيرات الإنتاج المستقبلية التي تؤثر في مجمل الإيرادات المستقبلية. وزاد البوعينين أن ذلك التحفظ لا يمنعها في الغالب من زيادة الإنفاق والتوسع في تنفيذ مشروعات التنمية، مبينا أن هذا التحفظ قد يكون مقبولا على أساس أن بعض الدول المنتجة للنفط ربما نجحت في زيادة إنتاجها، مشيرا إلى أن هذا سيؤثر قطعا في حجم المعروض النفطي ما سيتسبب في تقليص الإنتاج السعودي وفق ما تقتضيه مصلحة أوبك. ويرى البوعينين، أن ميزانية العام 2012 الحقيقية سجلت نموا كبيرا في إيراداتها التي بلغت 1239 مليار ريال، وحجم إنفاق بلغ 853 مع تسجيلها لفائض مالي بلغ 386 مليار ريال، مبينا أن الأرقام الحقيقية تعكس حجم الإنفاق الكبير الذي شهده العام الماضي، إضافة إلى الإيرادات الضخمة. وقال البوعينين، "كالعادة، ركزت ميزانية العام القادم على القطاعات الرئيسة وهي التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والنقل، إضافة إلى الشؤون البلدية، واللافت في هذه الميزانية ارتفاع نسبة مخصصات التعليم ب21% في حين ارتفعت مخصصات الصحة والتنمية الاجتماعية والنقل بنحو 16% وهذا يعكس الاهتمام الحكومي في استكمال خطط التنمية ومشروعاتها الملحة، وبما ينعكس إيجابا على رفاهية المواطن". ويرى البوعينين أن التركيز الحكومي توزع على ثلاثة محاور الأول التوسع في الإنفاق على القطاعات الرئيسة وفي مقدمتها التعليم والصحة، والثاني تعزيز الاحتياطيات المالية بما يحقق الأمن المالي؛ حيث إن اعتماد الميزانية على إيرادات النفط لا يضمن لها الاستقرار مع المتغيرات العالمية الطارئة، مستدركا أنه ومن هنا كان لزاما تعزيز الاحتياطيات وبما يضمن تحقيق الأمن المالي مستقبلا. وأضاف البوعينين أن زيادة حجم الاحتياطات المالية جاء من خلال تحويل الفوائض المالية لها، واصفا ذلك بالأمر المهم غاية الأهمية لرفع معدلات التحوط المستقبلية، خاصة وأن المملكة تعتمد اعتمادا كليا على إيرادات النفط غير المستقرة، مشيرا إلى أن الالتزام المالي يحتاج إلى توفير احتياطيات مالية قادرة على تعويض نقص الإيرادات لأي سببا كان، أو أية متغيرات مستقبلية. وعن المحور الثالث وهو خفض الدين العام قال البوعينين إن الحكومة نجحت في خفضه ليصل إلى 98.8 مليار ريال أي ما نسبته 3.6% من الناتج المحلي للعام 2012، وهو خفض كبير سيدعم تصنيف المملكة المالي، وخفف من أعباء الحكومة فيما يتعلق بخدمة الدين العام التي يمكن أن يعاد توجيهها لقطاعات التنمية"، مبينا أن التخلص من الدين العام أمر مهم، وإن كان لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من حجم الناتج المحلي. وبين البوعينين أن مثل هذه الميزانية الضخمة تحتاج إلى جهود تنفيذية ضخمة على مستوى الوزارات لضمان تحقيق المنفعة الكلية من ميزانية الخير التي يصر ولي الأمر على التوسع فيها برغم الظروف المحيطة، مؤكدا على أن مشروعات التنمية ستتحول مع مرور الوقت إلى بنية تحتية تحقق مزيدا من النمو المستدام، لافتا إلى أن هذا الأمر يبقى مرهونا لخطط البناء وتحويل المشروعات الضخمة إلى واقع محسوس وبكفاءة عالية تضمن بقاء تلك المشروعات لعقود عديدة أسوة بالدول المتقدمة. وحذر البوعينين أنه في حال لم يحقق الإنفاق التوسعي الكفاءة فسيفقد الاقتصاد قوة الدعم الذاتية التي تحقق له أسس التنمية المستدامة، جازما أن التوسع في مشروعات التنمية من خلال التوسع الإنفاقي هو ما تهدف له حكومة المملكة، مبينا أن المرحلة الأهم التي يُسأل عنها الوزراء في ترجمتهم تلك الأرقام الضخمة إلى مشروعات تنموية تبقى لعقود عديدة، وتنجز في أوقات قصيرة وبتكلفة معقولة بعيدا عن الهدر والمبالغة.