"البوشين"، فلاح مغربي 60 عاما، وقف على جسر الملك عبدالله وسط مشعر منى، بنظرة متعبة يختلط بها الفرح، يتابع مسيرة الحجاج وهم يفيضون من جسر الجمرات بكل ألوانهم وأعراقهم. الحاج الستيني لا يصنف من التائهين، لكنه لا يملك أي علامة تدل على مقره، يوزع ابتسامته ل"الحجيج"، وهو يمشي بينهم "متعرجا"، وعلى محياه علامات "التعب"، وعندما يشبع عينيه من ذلك، ينظر يمينا ويسارا، ومن ثم يسير وهو مطأطأ الرأس، الذي لا يحميه من أشعة الشمس سوى "طاقية"، لبسها وهو لم ينزع إحرامه بعد. لم يطاوع نفسه على "الغضب"، بل طرد عنها "وسواس الشيطان" بقراءة المعوذات، عندما تنظر إليه تقرأ على وجه، كثرة الأسئلة التي لا يجد لها إجابات، فبذهن شارد خارج المشاعر، يقاوم رغبات "نفسه"، ويجيبك ب6 أسئلة "كيف قضت عائلتي أول أيام العيد؟، وكيف أعود إلى مخيمي؟، وكيف أقضي أيام الحج المتبقية وأنا لا أملك المال؟، وكيف أحل إحرامي وأنا لا أجد ملابس؟، وكيف أسير وسط هذه الجموع؟، وكيف أعرف حال مزرعتي التي تركتها؟، وأخيرا كيف أحمي نفسي من أشعة الشمس؟" "البوشين" قدم من المغرب يحمل هموما "دنيوية"، لم تعقه عن تأدية فرضه، يعمل في أرضه 18 ساعة يوميا، بدأ فيها وهو في العشرينات من عمره، ولا يزال يمتهن ذلك رغم تقدمه في العمر، حقق أمنيته بالحج بعد 10 أعوام من العمل لأجل توفير تكاليف حلمه. يصف البوشين تفاصيل رحلته إلى مكةالمكرمة، مؤكدا أنه بدأها ب"الاعتكاف ليلا"، يدعو ربه بأن يسهل أمره في هذه الخطوة، ويضيف "بعد ذلك قدمت أوراقي إلى الجهات المعنية، فأتت الموافقة بسرعة لم أتوقعها، فأنهيت إجراءات حجي بصورة مخالفة لما في ذهني، إذ انتهى كل ذلك في 6 أيام"، وقال "فرحت وشكرت ربي لأن بلادي تكفلت بنفقة حجي، ثم احتفلت مع أسرتي، الذين غادرتهم وتركت بحوزتهم ما ادخرته من مال". وأخيرا قدم البوشين إلى الحج، وقضى يوم عرفة وبات في مزدلفة ورمى الجمرات، وقص شعره، ولم يحل إحرامه، لأنه لم يقدم إلا ب"لباس واحد"، وهو لباس الإحرام، فتحلل فقط ب"لبس الطاقية" التي أتته من قبل أحد العاملين في المشاعر. ست ساعات بلبس الإحرام رغم أنه عمل ما يلزم بأن يحله، لكنه يؤكد "الله موجود"، ليعود بنظرته إلى الحجيج، للبحث عن إجابات لأسئلته!.