في أحد اجتماعات العيد العائلية كنت مدعوًا عند أحد الأحبة، ولفت انتباهي موقف بين طفل ووالده عند قيام ابن مضيفنا بتوزيع الحلوى للضيوف فعندما هم الطفل لأخذ قطعة من الحلوى قام الأب بمنعه وهو يشكر ابن المضيف، ويقول لقد تجاوزت الحد المسموح به بحسب اتفاقنا يا ولدي! وتدخلت بعدها متسائلًا ممازحًا عن الحد المسموح هذا، وذكر لي أنه اتفق مع ولده أن في أيام العيد استثناءً فإن له الحق في تناول قطعة حلوى واحدة في اليوم، وعليه أن يحرص في اختياره فأيام العيد تكثر فيها المغريات وتتنوع فيها الحلوى! وبعد أن أشدت بطريقته وحرصه ذكر لي أنه كان سابقًا لا يعير هذه الأمور كل هذا الاهتمام، بل على العكس كان لا يدخل بيته إلا وهو محمل بكل ما لذ وطاب من الحلوى، وكان على الأقل لمرة واحدة في الأسبوع يأخذ أولاده إلى أحد المطاعم الشهيرة لتناول وجبة سريعة، وكان أولاده سعداء وهو مقتنع بأنهم صغار ولن تضرهم هذه الحلوى والوجبات، حتى بدأ يلاحظ على أحد أبنائه زيادة وزنه وتراجع نشاطه، إضافة إلى شكواه المتكررة من آلام مختلفة. وعند زيارة الطبيب، كانت النتيجة: بداية علامات سمنة وارتفاع بسيط في السكر. لم يكن السبب مرضًا وراثيًا، بل نمطًا غذائيًا سيئًا بدأ مبكرًا كما ذكر الطبيب، والذي بدوره حذره من أن الاستمرار على هذا النمط ستكون عواقبه وخيمة. وفقًا للإحصائيات الوطنية فإن نسبة السمنة بين الأطفال في السعودية دون سن الخامسة عشرة تبلغ 14.6 % بينما تصل نسبة زيادة الوزن 33.3 % وفيما يخص البالغين من سن الخامسة عشرة فأكثر بلغت نسبة السمنة بين البالغين 23.1 %، مع نسبة زيادة في الوزن تصل إلى 45.1 %، تبرز هذه الإحصاءات أهمية تعزيز الجهود الوطنية في مجال التوعية والتثقيف الغذائي، وتشجيع نمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة عبر وضع السياسات الداعمة والممكنة للفرد والمجتمع بمشاركة كل الجهات ذات العلاقة. تُولي رؤية المملكة 2030 اهتمامًا كبيرًا بجودة الحياة، ويعد تحسين نمط التغذية أحد ركائز هذا التوجه. من خلال دعم المنتجات الغذائية الصحية، وتمكين المستهلك، وتشجيع الرياضة، وتوفير بيئات غذائية داعمة في المدارس والمجتمع، تسعى المملكة إلى بناء جيل صحي، واعٍ، وقادر على الإسهام في مستقبل الوطن. وعلى الرغم من التحدي الكبير الذي تشكله أنماط التغذية السيئة في هذا العصر وما ترتب عليها من تحديات صحية على مستوى الفرد والمجتمع والنظام الصحي استجابت المملكة العربية السعودية لهذا التحدي من خلال إطلاق حزمة من السياسات والبرامج التي تهدف إلى تحسين التغذية وتعزيز الصحة العامة، في إطار رؤية السعودية 2030. من بين هذه الجهود، جاء حظر استخدام الدهون المتحولة الصناعية نهائيًا كخطوة مهمة للحد من أمراض القلب، إلى جانب إلزام الشركات بوضع بطاقات تغذية توعوية على المنتجات توضح محتوى السعرات والدهون والسكريات والصوديوم، مما أسهم في رفع وعي المستهلك ومساعدته على اتخاذ قرارات صحية. ولتعزيز الارتباط بين الغذاء والنشاط البدني، أُطلقت مؤخرًا مبادرة نوعية مبتكرة توضح على عبوات المنتجات الغذائية الوقت اللازم لممارسة الرياضة لحرق السعرات الحرارية الموجودة فيها، والذي سيسهم بمشيئة الله في توجيه سلوك المستهلكين نحو مزيد من الانتباه لنمط حياتهم اليومي. كما فُرضت ضريبة انتقائية بنسبة 50 % على المشروبات المحلاة، لتقليل استهلاك السكر وتحفيز الشركات على تقديم بدائل صحية، وهو ما أثبت فعاليته في تحسين السلوك الغذائي للمجتمع. كذلك أولت السياسات الوطنية اهتمامًا خاصًا بالأطفال من خلال تقنين الإعلانات الموجهة لهم، خصوصًا تلك التي تروّج للأطعمة غير الصحية، فضلًا عن تحسين جودة الأغذية المقدمة في المدارس، بما يضمن ترسيخ العادات الصحية منذ الصغر. ودُعمت هذه الجهود بحملات توعوية مثل «صحتي في غذائي» التي تستهدف المجتمع بكل فئاته. رغم كل هذه الجهود ما زال هناك الكثير لتعظيم الأثر عبر تفعيل دور المجتمع ومؤسساته المختلفة كجمعية حماية المستهلك عبر تبنيها لمبادرات مبتكرة كمبادرة «التسوق الصحي» بمرافقة مختصين يقوم خلالها المختص بشرح كيفية قراءة الملصقات الغذائية واختيار البدائل الصحية. كذلك من الممكن أن يتم تخصيص جوائز أو دعم إعلامي للمتاجر التي تتبنى مبادرات لتخفيض أسعار المنتجات الغذائية الصحية. تبدأ رحلة الصحة من طبق الغذاء، وتتحقق بنهج متكامل يجمع بين السياسات، والمجتمع، والتعليم، والرقابة. وما بين قصة الطفل في بداية المقال، وطموح المملكة في رؤيتها المستقبلية، يظهر أن الغذاء لم يعد خيارًا شخصيًا فقط، بل مسؤولية وطنية لبناء مجتمع أكثر صحة ووعيًا.