يأتي العام الثالث والعشرون من القرن الحادي والعشرين وسط ثورة عالمية في عدد من المجالات، لمهارات يقتضي على الإنسان المتحضر أن يتعلمها ويتهيأ لها في ظل زمن سريع التغير والتطور. وقد اتفق على أن عددًا من المهارات يفترض على الطالب والموظف الإلمام بها والتدريب عليها حتى يتكيف وينسجم معها، وفي الوقت نفسه حتى لا تصبح بالنسبة له متغيرات لا يفهمها ويقف مذهولًا وعاجزًا أمامها، لكن الحاصل في الواقع يقول إننا ما زلنا في جمود واقفين عند مهارات القرن الأول والثاني من الهجرة إنما بإستراتيجيات القرن الحادي والعشرين، وما زالت أجزاء من المحتوى الحالي تجر المتعلم إلى الخلف، إلى شيء لا يعيشه ولم ير آباءه أو حتى أجداده يمارسونه، المشكلة تكمن في أن هذا المحتوى يكون عند الطالبة حالة من الاصطدام في مصدر المعرفة والجهة المسؤولة عنها، خصوصاً بعدما يتدرب على مهارات التفكير الناقد، ليعود لحصيلته المعرفية ناقدًا ما استمده من معرفة متراكمة ومع ما يحتاجه من معرفة في حاضره ومستقبله، ومع ما قد يتفوق به مهاريا الموظف المستقطب من خارج البلاد، ومع ما يتطلبه سوق العمل وما يشترطه المديرون من مهارات في موظفيهم، ويتسابق في الحصول عليها والفوز بها بعد ذلك الأجانب قبل أبناء الوطن. إحدى المهارات التي استوقفتني في مناهج التعليم هي مهارة الاستتار أثناء قضاء الحاجة، ومهارة الاستنجاء والاستجمار -أجلكم الله- ومهارة الدخول إلى دورة المياه بالقدم اليسرى، ومهارة صناعة المزولة الشمسية، ومهارة حفظ شروط دخول وقت الصلاة لطالب التسع سنوات بظهور الشفق الأحمر وطلوع الفجر الثاني في زمن تجاوز هذه المرحلة بحلول أسرع وأكثر دقة، ولو اطلعنا بعين ناقدة على مناهج القرن الحادي والعشرين الحالية مستخرجين منها مهارات القرون الأولى لمُلئت الصحف بالمقالات وجف الحبر عن الطباعة، لكن ليس هذا المراد من المقال، فالفكرة هي أن التعليم منارة يجب أن تقود الإنسان إلى التقدم، وكيان يفترض أن تكون له حرمته لا بالتحريم وبرفع العصا، بل بالاحترام والإجلال، والاحترام النابع من امتنان الإنسان لهذا الكيان لا الاحترام المفروض من الهيبة والرهبة، والإنسان بطبعه لا يكون ممتنا لشيء، إلا أفاده ورسخت إفادته في جوانب حياته وجعلته مميزًا وواثقا ومتمكنًا، كأساس تبنى عليه المعارف والمهارات أدوارا وأدوارا حتى يصل بشموخه إلى عنان السماء. نعم أخذ محتوى المناهج الدراسية في التغير بعد مراحل من التنقيح لما كان يشوبه من أفكارمتطرفة ومؤدلجة وهذه قفزة تشكر عليها الوزارة، لكن بقي «البناء ما بعد الإزالة» والبناء السريع جدا، فما فات سلب من قدراتنا الكثير، والقادم من القرن الحادي والعشرين أكثر تسارعا في تطوره مما نحن عليه في «المناهج» تحديدًا، البناء القادم للمتعلم برأيي يفترض أن تتدخل فيه هندسة بتشكيل جديد، يجيد بناء المناهج في جمعها بين حاجة الإنسان للعلم بشكل مستمر، مع حاجة سوق العمل له كإنسان تلقى من المعارف ما يسمح له بمزاولة البناء في ميدان الحضارة الإنسانية بشكل عام، والحضارة العربية بشكل خاص، والحضارة السعودية بشكل شديد الاختصاص، وباستيعاب الثلاثة قرون الأخيرة لتأسيس السعودية، نعم لدينا حضارتنا وهويتنا السعودية في الموسيقى والفن، لكن أين هي من المناهج، لدينا حضاراتنا في الحرف اليدوية الأصيلة، ولكنها أيضًا بعيدة عن المناهج وعن سوق العمل، وهذان المثالان للتقريب فقط وليسا للحصر. أخيرًا تبقى الخطوة الأهم والأسرع في اتخاذها، هي خطوة تنقيح المناهج من مهارات القرون الأولى.