في الأيام القليلة الماضية، أوردت وكالات الأنباء خبراً مفاده «أن جمهورية مصر العربية، قد أطلقت مهرجانها الأول لمراقبة الطيور، ضمن جهودها المستمرة لترويج السياحة وتنشيطها في البلاد»، وهذا يعني أن مصر الأهرامات والمقاهي والنيل وشرم الشيخ، ستوسع نوافذها المطلة على السياحة، للاستفادة من حضورها المهم كممر دولي، لكثير من الطيور المهاجرة. من يتابع شؤون الطيور وأحوالها يعرف قيمة هذا الحدث، الذي يريد الاستثمار في مواسم الهجرة، التي تبدأ في فصل الخريف وتكتمل بانتهاء الربيع، فالكثير من الدول تحتفي بهذه الهجرة على طريقتها، إما عبر مهرجانات، أو ورش عمل، أو رحلات، أو منصات مهيأة لمراقبة تلك الطيور على اختلاف أنواعها، طيور تملأ الفضاء بهجة وجمالاً، وتهب الحياة للأماكن التي تمر أو تستقر بها. وفي بلادنا الواسعة هناك ألوان من الطيور المهاجرة، لا تعرفها إلا من خلال عدسات المصورين المشغولين برصد الطيور، وفي بعض الأحيان من مغامرات الصيادين، رغم قرب المسافة بينها وبين المواقع السكنية في غالب الأحيان، على الواحد منا فقط أن يتعرف على مواعيدها ومواقعها، ليكتشف أسرار هذه الهجرة الدورية، وأن يرهف السمع والنظر، من أجل أن يصقل موهبته في الكشف عن وجودها، طيور لا تتأخر عادة عن مواعيدها، ولا موائلها، إلا إذا طالت هذه الأخيرة أيادي التخريب، أو طال تلك الطيور رصاص هواة الصيد قبل وصولها. طيور بلا عدد تعرفها السماء، كما تعرفها ذاكرة الناس في الأرياف والسواحل، طيور صغيرة وأخرى كبيرة، وقد سعت أرامكو السعودية إلى رصدها مؤخراً، ضمن دليل ضخم للتعريف بها وتوثيق ممراتها عبر الجزيرة العربية، وجاء الدليل في جزءين لفتح نوافذة معرفية على عوالم الطيور، سلوكها، غذائها، ومواعيد عبورها وتواجدها. هواة تصوير الطيور هم أكثر الناس فرحاً حتماً، لو جرى اعتماد مهرجانات سياحية محلية للتعريف بهذا التطوير والتشجيع على تصويرها، لأنهم ببساطة يجدون الكثير من الصعوبات في الذهاب بحماستهم بعيداً في هذا الجانب، وبالخصوص في رصد طيور السواحل، فمصير التصوير هناك لا يخلو من كر وفر، مع الضوابط الحالية التي تترك الباب موارباً، بين الفسح والمنع، وبين وجود نظام واضح والاجتهاد في تطبيقه. كثيرة هي القصص التي يرويها محبو هذه الهواية، على سواحل المنطقة الشرقية، على سبيل المثال، حيث أسراب الفلامنجو والطيور الخواضة، تزين الماء بألوانها وأعدادها الكثيرة، قصص تمشي بهم أحياناً إلى الخوف من تكرار التجربة، حيث المخيال يذهب باتجاه جعل العدسات الطويلة وكأنها بنادق للصيد لا أكثر، هم ليسوا بحاجة إلى ابتكار ذرائع لتصوير الطيور الجميلة، لكن الضبابية التي تطال السواحل باعتبارها مواقع عامة وسياحية، هي ما يجعلهم في حيرة من أمرهم دائما. هي دعوة للهيئة السعودية للسياحة، للاهتمام بهذا المنشط السياحي، والتفكير في إيجاد مبادرات ومهرجانات تحتفي بهجرة الطيور، وتقديم التسهيلات لهواة مراقبتها وتصويرها، وفي مقدمة هذه التسهيلات، ينبغي أن يكون التعاون والتفاهم مع الجهات المختصة بمراقبة السواحل، لغرض تفعيل قواعد التصوير في المواقع السياحية، ومعالجة أي عوائق قد تكون سبباً في تحويل هذه الهواية إلى جريمة، ومن ثم الدفع ناحية توفير منصات حديثة لمراقبتها، تشجيعاً على هذا اللون من السياحة البيئية، التي يختبر فيها الإنسان علاقته بالطبيعة من حوله، ويتأمل فيها سيرة الكائنات الملونة، التي تقطع الأميال في ظروف صعبة من أجل البحث عن الموئل والطعام. ما بين هيئة السياحة ووزارة البيئة والمياه والزراعة، هنالك الكثير الذي يمكن إنجازه على هذا الصعيد، من أجل وضع إستراتيجيات تطويرية لهذا اللون من السياحة البيئية، فالطيور المهاجرة التي تشهد تناقصاً في أعدادها هنا، بحاجة كذلك إلى مبادرات أخرى، تعاضد مبادرة اللائحة التنظيمية المهمة لصيد الكائنات الفطرية، لترفع من الوعي بأهمية هذه الطيور والحفاظ عليها، باعتبارها تمثل جزءاً من التوزان البيئي، وعليه ينبغي أن ترتكز أي مبادرة سياحية على هذه القاعدة، حتى لا تكون الدعوة إلى سياحة الطيور، سبباً في هروبها وتحويل مساراتها.