بات مصطلح «الثوابت» في المجال الشرعي من المصطلحات العائمة التي يستخدمها المتطرفون في مهاجمة مخالفيهم؛ لأنه قد ينطبق على أي حكم يريدونه، بسبب عدم تحديد معناه بشكل دقيق كسائر المصطلحات العائمة سواء الشرعية منها كهذا المصطلح، أو المصطلحات المدنية كالحداثة والنسوية والتغريب وغيرها. فتحديد المصطلحات من خلال خطاب عام يقطع الطريق على كلا الطرفين من المتطرفين.. سواء أكان تطرف الانحلال أو تطرف التشدد الديني، فالأول لن يمرر دعواه مستغلا ضبابية تلك المصطلحات، والآخر لن يمرر إرجافه على ما هو صحيح وجائز من خلال احتماليتها ودخولها في عموم اللفظ. ولو عدنا لمصطلح الثوابت كأهم مصطلح في الاستخدام فإننا نجد أن استبداله بمصطلح «قطعيات القرآن» أفضل وأدق من مصطلح «الثوابت» ونعني بالقطعيات ما لا تحتمل إلا معنى واحدا وفق اللسان العربي وشواهد القرآن الأخرى، وهو أفضل لأنه أقل في العموم والشمولية من مصطلح «الثوابت» خاصة أن هذا المصطلح لم يكن يستخدم قديمًا - وهذا لمن يبحث عن الاستدلال التاريخي – وإنما كان المستخدم عبارة «المعلوم من الدين بالضرورة» إذ إنهم جعلوا معرفة الناس للحكم واستبعاد جهل أيٍ منهم به -بما في ذلك عوامهم- معيارًا وعلامة على الثبوت،أو مصطلح «قطعي الثبوت قطعي الدلالة»، وهنا قد جعلوا القطع وفق الحدوث ووفق المعاني اللغوية معيارًا للثبوت.. وهذا بخلاف قولنا «ثوابت» فإنها بلا معيار وإنما نتيجة لمعيار وهنا الفرق. والفرق بينهما هو أن كل معلوم من الدين بالضرورة قطعي ثبوتًا ودلالة، وليس كل قطعي معلومًا من الدين بالضرورة، فتحريم أكل المتردية والنطيحة قطعي ولكنه ليس معلومًا من الدين بالضرورة بغض النظر عن معنيهما ولكن أصل الحكم قطعي. وكانوا يستخدمون الإجماع أيضا كمعيار للثبوت كشرط للاجتهاد، ويقصدون القطعي منه أما الظني فأقل، لكن الأهم هو أن مصطلح «الثوابت» لم يكن يستخدم فيما أعلم. لو عرضنا للمذهب الحنفي فسنجد أنه اعتبر شيئًا من هذا الطرح حينما وضع قاعدة «الزيادة على النص نسخ»، أي الزيادة على النص القرآني بغيره نسخ لما اقتصر عليه وحدده في مسألة معينة. وإذا اعتبرنا الثوابت مسألة فيمكننا طرد هذه القاعدة بقولنا الزيادة على النص القرآني في تحديد الثوابت نسخ لما اقتصر عليه منها، فلا يمكن الاستدراك على القرآن بأي مصدر آخر.. مع الأخذ في الاعتبار أن التحديد بقطعيات القرآن إنما يحصل في إنكار القول المعارض للقطعيات واستهجانه وليس في العمل بما سواها، فالعمل يكون مع القطع والظن. إضافة إلى أن ما يقابل القطعيات أفضل مما يقابل الثوابت.. فما يقابل القطعيات هو الظنيات، وما يقابل الثوابت هو المتغيرات.. والظن أفضل لأنه أجدى في الالتزام به من المتغيرات، لأن المتغيرات تعطي انطباعًا لدى السامع بأنها تتشكل وغير مستقرة، وهذا ما يجعل الخطاب المتطرف يحرص على عبارة الثوابت، لأنهم يظنون أن غيرها متغير وغير مستقر.