مرت عمليات الإحصاء للسكان في المملكة، بمراحل عدة منذ انطلاقتها في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وصولاً إلى وقتنا الحالي. وتذكر مصادر التاريخ أن الإحصاء الأول للسكان، والذي تم في عهد المؤسس، أسندت مهمته للنيابة العامة، التي كلفت أقسام الشرطة بتوزيع قسائم جمع المعلومات على عمد الأحياء، الذين بادروا بدورهم إلى التواصل مع السكان، كما اختير المشاهير من مقدمي البرامج الإذاعية والشعراء والمثقفين والمؤرخين، لتولي مهام التعداد السكاني، وتدقيق المعلومات ميدانيا لقربهم من المجتمع، ولضمان التفاعل الإيجابي مع أول عملية إحصاء سكاني. النيابة العامة للنفوس يذكر الأديب والشاعر طاهر زمخشري، في مذكراته المسجلة إذاعياً أن «أول تعداد سكاني كان في عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز، في عام 1353 للهجرة، حيث شكلت لجنة سميت «لجنة إحصاء النفوس»، وأسندت مهام الإحصاء للنيابة العامة، وأن 16 أديبا وشاعرا ومثقفا اختيروا، للعمل في جمع ورصد بيانات التعداد السكاني «إحصاء النفوس» في مكةالمكرمة، كان هو من ضمنهم، وهو أحد مقدمي برامج الأطفال في الإذاعة السعودية لتشجيع نجاح التعداد». عمد الأحياء أول إجراءات التعداد تمثل في قيام عمد الأحياء، الذين لهم معرفة وصلة بالسكان، بتوزيع قسائم جمع المعلومات على الأهالي في المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فتضمنت النزول ميدانياً للتحقق من صحة المعلومات، ورصدها في السجلات الحكومية، وكان للشعراء والمثقفين دور في إعلان التعداد، لقربهم من السكان من خلال إنتاجهم الفني والفكري والثقافي. التجنيد والضرائب يذكر الباحث في تاريخ مكةالمكرمة عماد السلمي، أن القائمين على عملية إحصاء النفوس، كما كان يسمى في ذلك الحين، اعتمدوا على الأعيان والمثقفين والمشاهير، لكسر حاجز الخوف المجتمعي من عملية أول تعداد سكاني في المملكة، مرجعاً سبب امتناع بعض الأهالي عن المشاركة، في أول تعداد سكاني لقرب العهد مما كان يفرض من الدولة العثمانية من فرض الضرائب، وتطبيق شروط الخدمة العسكرية «التجنيد الإجباري»، كما أن غياب الوعي المجتمعي بالغرض الحقيقي من تعداد السكان، والأعراف المجتمعية التي كانت سائدة حينها، من الحرج في تسجيل أسماء الإناث في السجلات الرسمية، كانت عائقاً إضافيا أمام مهمة التعداد، كما أن الشعراء والمثقفين كانوا قريبين من الأهالي، لما فرضه ذلك الوقت من مشاركتهم في المناسبات الاجتماعية، بنظم القصائد والأشعار التي كانت حاضرة في الأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى، مما ساهم في نجاح مهمتهم في إحصاء النفوس كما كان يسمى في ذلك الوقت. القطاع الإحصائي تعد المملكة من أولى الدول، أخذا بسياسة حصر السكان عن طريق نظام التعداد، فقد أجري أول تعداد سكاني رسمي، عام 1349 - 1930 ، واستمر 30 عاماً ليتوج في السابع من شهر ذي الحجة عام 1379، الموافق للأول من يونيو عام 1960 بصدور نظامِ الإحصاءات العامة، بالمرسوم الملكي رقم «23» ليكون العمل الإحصائي عملاً يستندُ في مرجعيته النظامية والإدارية والفنية، إلى نظام رسمي ساهم في تنظيم القطاع الإحصائي، مِنْ خلال ضبط العلاقة بين المصلحة العامة للإحصاء، بوصفها جهازا مركزيا للإحصاءات وبين بقية القطاعات، بهدف تفعيل العمل الإحصائي وشموله، وتعميق أثره في التخطيط، وتعزيز الوعي الإحصائي. مكة انطلاقة التعداد في عهد المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – بدأت المملكة في تسجيل وإحصاء النفوس، حيث كان من أولويات اهتماماته – رحمه الله – لإدراكه أهمية التوثيق، وتزويد المواطنين بما يفيد إثبات تابعيتهم. وتم التركيز لاحقا على اختيار المعلمين للقيام بمهمة التعداد السكاني، للمهنية التي يتمتعون بها في التواصل مع المجتمع بكافة أطيافه ومكوناته، من منطلق خبرتهم التربوية، ولتواجدهم في جميع مناطق المملكة، بما في ذلك القرى عطفاً على الانتشار الواسع للتعليم ومقراته «مبانيه» التي يستفاد منها، كمقرات عمل هيئة الإحصاء في المحافظات، والقرى خارج المدن، في كل مناطق ومحافظات المملكة، وصولاً إلى القرى والمواقع النائية، إضافةً إلى ما يتمتعون به من ثقة المجتمع، وإيمانهم بدورهم الكبير، إلى جانب أن فترة عملهم لا تؤثر بشكل مباشر في سير مهامهم الوطنية، التي ينفذونها تجاه أبنائهم في مدارس التعليم العام.