لا شك أن للتراث قيمة في نفس الإنسان، فهي تمثل مزيجاً من معاني الشوق والحنين، ودائمًا ما يكون الولاء للمكان مربوطًا بالتراث، فمن أهم عوامل تربية المواطنة في نفوس النشء ربطهم بتراثهم وحياة أجدادهم وأمجاد ماضيهم. والحقيقة أن للتراث في مملكتنا الحبيبة مكانة خاصة، قوامها الاحترام والتقدير لدى قادتها وشعبها على حد سواء، من منطلق أن الولاء للوطن يتشكل بربط الماضي بالحاضر. ولعل أحد مظاهر إحياء التراث التي شهدنا فعالياتها خلال الأيام الماضية هي النسخة الثانية من مبادرة «قافلة درب زبيدة»، تخليداً لذلك الدرب الرئيس الذي كان يسلكه الحجاج والتجار والزائرون للمملكة من العراق في العصور الماضية. تقوم فكرة القافلة على دعوة المواطنين والمقيمين لعيش تجربة السفر كما كان يعيشه الأجداد، فيقومون بقطع مئات الكيلومترات مشيًا على الأقدام أو على ظهور الخيل والإبل. يتعرف المشاركون في هذه الرحلة على الأماكن التراثية ومواضع الاستراحات التي كان ينزل فيها المسافرون في الماضي، وكيف كان يستقبلهم سكان المناطق في المملكة، وكيف كانوا يسلكون الطريق في النهار والليل. إنها رحلة تحمل في طياتها العديد من الرسائل، فهي دعوة للسياحة والترفيه، والتعرف على معالم المملكة الحضارية، وعلى كرم أهل المناطق التي كانت تستقبل الوفود. لقد نجحت القافلة في توصيل رسائل تاريخية وثقافية وسياحية، وفي خلق العديد من فرص العمل الموسمية، وتسليط الضوء حول التفاعل التنموي مع المناطق النائية، كما أنها مزجت بين ثقافات أبناء المناطق وجمعتهم في رحلة واحدة على مدار أيام مع بعضهم البعض ومع جنسيات أخرى الأمر الذي كان له بعد اجتماعي للتعارف والتعايش. وقد أجزم أن المبادرة نجحت في تحقيق أهدافها التي تتواكب مع تحقيق أهداف ومستهدفات رؤية المملكة 2030، فعلى سبيل المثال نجحت المبادرة في الدعوة إلى جودة الحياة من خلال زرع أكثر من 4 آلاف شجرة على جانبي الدرب. وإنني سعيد أن أتحدث هنا باسم شركة «هنقرستيشن» الراعي الرسمي لهذه المبادرة هذا العام، حيث تعد هذه الراعية من أهم الرعايات التي اهتمت بها الشركة دعمًا لإحياء التراث وتأكيدًا على أهمية الدعم والمساندة لمعالم المملكة السياحية، وكيف كان يتصل الزائرون بسكان المناطق، وكيف كان سكان المناطق يجهزون الاستراحات ويوفرون فيها الطعام والماء لحجاج ومعتمري بيت الله الحرام. حقًا إنها تجربة فريدة ومميزة أدعو جميع أبناء المملكة إلى المشاركة ودعم مثل هذه الفعاليات التي تربط حاضرنا بماضينا لننهض لمستقبلنا المشرق الذي تسعى رؤية 2030 للوصول إليه بقيادة حكيمة رشيدة. وأنتهز هذه الفرصة السانحة لأعبر عن جزيل الشكر لسمو أمير منطقة حائل ونائبه- حفظهما الله- على الدعم والاهتمام الذي وفراه لهذه القافلة، والشكر موصول لفريق القافلة ومشاركيها.