«لقد رأيت الإمبراطور، لقد رأيت روح العالم، يمتطي صهوة جواده، إنه لإحساس رائع للغاية أن يرى المرء مثل هذا الشخص، وقد تركز هنا في نقطة واحدة، ممتطيًا جواده، وتمتد يده لتطور العالم وتسيطر عليه، إننا لا نملك سوى الإعجاب به، إن الجميع هنا يتمنون حظًا طيبًا للجيش الفرنسي». هكذا كانت نظرة الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل (riedrich Hegel) إلى غزو نابليون Napoléon لبلاده. لم يكن هيجل عميلًا حينما وصف نابليون بروح العالم، بل كانت تسيطر عليه فكرة (مكر التاريخ) والتمييز بين الحدث الفردي (غزو نابليون لألمانيا)، والحدث الكوني (التنبؤ المستقبلي بتحقق مبادئ الثورة الفرنسية في فرنسا من عدل وحريّة ومساواة، كبديل للأنظمة الإقطاعية في بلاده). يمثل الملك عبدالعزيز عند دخول الرياض روح العالم في عصره إذ جاء من الكويت بعدد قليل من الجنود، وإمكانات قليلة تحدوه رغبة جامحة في استعادة ملك آبائه وأجداده، إمكانات قليلة، وميزانية يحملها على ظهور إبله، فكانت الأوضاع شحيحة، شح في المادة، وشح وقسوة في الطبيعة. قسوة المناخ كانت سببًا في تراجع كثير من جنوده؛ ولكنه عقد العزم وتجشم الصعاب وواصل المسير بأعداد قليلة ونفوس عالية تواقة حتى كان في الشقيب على مسافة من الرياض. ربما لم يكن الملك عبدالعزيز حينما أناخ ناقته وترك ركائبه في الشقيب ويمم وجهه شطر قصر المصمك يدرك بأنه يؤسس لنواة وحدة شاملة تعد أول وحدة شهدتها الجزيرة العربية في تأريخها، ليست على مستوى نجد ولا على مستوى الجزيرة العربية، بل على مستوى الخليج والوطن العربي والأمة الإسلامية، وحدة من نوع آخر، روحية، وفكرية. وحدة أساسها الدين واللغة والفكر والتاريخ والمصير المشترك، وحدة يمكن تلمسها بعد وفاة جلالته ابتداء بعمل ابنه الأمير فيصل حينما كان وزيرا للخارجية والذي دعا إلى فكرة حلف إسلامي، تطوّر إلى منظمة تضم تحتها أكثر من سبعٍ وخمسين دولة إسلامية عُرفت بمنظمة المؤتمر الإسلامي. نعم ما كان كامنًا في روح الملك عبد العزيز وحال الإمكان التاريخي من تحققه، نراه تحقق بعون الله في أبنائه وأحفاده من بعده. والحضارة كما يراها علي عزت بيجوفيتش تطوّر القوى الكامنة التي وجدت في آبائنا الأوائل الذين كانوا أقل درجة في مراحل التطور. التحول الوطني 2020، ورؤيا 2030، وما نعيشه من تقدم وانفتاح على كل الأصعدة بشكل متسارع - كما يقول الأمير المعجزة نسابق الزمن - كلها قوى - أظنها - كانت كامنة في المؤسس الملك عبدالعزيز. ذكر المؤرخ والرحالة والأديب أمين الريحاني أن الملك عبدالعزيز في تجهيزات مؤتمر العقير كانت قد وضعت خيمتان، خيمة عربية له ولرجاله يأكلون ويشربون فيها على الأرض كعادتهم، وأخرى للمندوب البريطاني السير برسي كوكس (Percy Cox) ورفاقه مفروشة بالطنافس، يجلسون فيها على الكراسي، ويشربون في قناني أعدت للماء والصودا وغير ذلك من أساليب الحياة المدنية. فكان الملك عبد العزيز إذا أراد أن ينتقل من الجهة العربية إلى الأوروبية قال: «تعال يا أستاذ نسافر إلى البلاد المتمدنة لا تظننا بعيدين كثيرًا عنها عشر خطوات فقط.. ثم يقول: هات الشاي يا غلام (شاي متمدن، لأنه يصب مع الحليب في فناجين كبيرة)، ويجلس على الكرسي قائلًا لنتمدن قليلًا. تفضل يا أستاذ شاركنا التمدن..». هنا نلمس في الملك المؤسس روح التمدن والقابلية للتحضر وقبول الآخر، فرحم الله جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وحفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وحفظ الله المملكة والشعب السعودي. وهي لنا دار