حينما يكون الحديث عن الوطن كيانا وقيادة وشعبا دوما ودائما أكرر، ليس من السهولة بمكان أن أسلط الضوء على منجزات ومعطيات دولة وكيان ونحن نحتفي بيومنا الوطني ال91 في عجالة، لذلك رأيت أن أوجز إيجازا آمل ألا يكون مخلا، مقالا أشبه بعنوان لملحمة كيان خصوصا وأن هذه المرحلة التي نعيشها اليوم والعالم من حولنا مضطرب ونحن- بفضل الله- نعيشها مرحلة مميزة تأتي تتويجا لمعطيات مسيرة حافلة. بداية لا بد أن من يطل اليوم على هذه القارة السعودية، يلمس وعن كثب عطاء مرحلة مسيرة الاحتفاء والتي هي المسافة بين ذلك الماضي الكئيب المخيف المفجع، وهذا الحاضر المشرق السعيد، بإذن الله، قد تكون مسافة من الزمن هي في عمر الدول فترة وجيزة، لكنها على هذا الثرى الطيب المبارك، صنعت مجدا وكيانا واستعادت هيبة ومقاما، وجمعت أمة وحققت أمنا وسلاما، أقامت دولة فريدة وعصرية ذات دستور وسيادة وثقل عالمي، واكبت الحاضر بتاريخ مجيد ومسيرة مظفرة أذهلت المتابع واستحوذت على إعجاب المؤرخين والساسة فراحت تشيد بذلك البناء وتلك المعطيات، كان بطلها موحد هذا الكيان، المغفور له- بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- رحمه الله رحمة الأبرار. تسعة عقود منذ إعلان قيام المملكة العربية السعودية سبقها عمر جيل سعى خلاله عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في توحيد أطرافها بدءا من الرياض في صبيحة الخامس من شوال 1319 حتى إعلان قيامها في الأول من الميزان من عام 1351، وقضى منها 22 عاما في بناء الدولة العصرية، بدءا من إرساء أسس الحكم على كتاب الله- عز وجل- وسنة رسوله- عليه أفضل الصلاة والتسليم- مرورا بنظام الهجرة، الذي كان فيما بعد السبب في قيام المدن وتسكين البادية، واستقرار السكان، والذي تبعه في صور متتالية ومتكاملة كافة النظم الإدارية، التي سخرت جميعها لأمن وراحة وطمأنينة المواطنين ومن يقيم على هذا الثرى المبارك، ولعل أمن وتيسير مسالك وطرق الحجاج كانت من الأولويات المهمة لدى الملك عبدالعزيز، فكان له ما أراد، وبدأت التوسعات، وتأمين قوافل الحجيج ثم التدفق إلى الحج بأعداد لم تكن مألوفة من قبل، بعدما اطمأن الوافدون على تأديتهم النسك في يسر وسهولة لم يكونوا يعهدونها من قبل، ثم مشاركة المملكة في عدد من المحافل الدولية، وحضورها المميز، الذي أسهم في أن تكون عضوا مؤسسا وفعالا في كثير من المنظمات الدولية، أي أن 45 عاما كما أشرت سابقا قضاها الملك عبدالعزيز في استعادة وتوحيد وبناء هذه الدولة، إضافة إلى الأعوام التي سبقت فتح الرياض، والتي كانت فترة تخطيط وتأمل، وكانت ترجمة صادقة للنضوج الفكري والحنكة السياسية والبعد الحسي المدعوم بالإيمان الصادق والضمير الحي المتوقد، والممزوج بتقديس الوطن وحب المواطنين، تحت الراية التي لا تعرف التنكيس، راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، سيما وأن هذا الثرى يحتضن المقدسات الإسلامية، مهوى أفئدة المسلمين وقبلة السُجد الركع. المؤرخون وقفوا حيارى أمام نضج فكر ابن سعود، الذي جعل من البادية جامعة، ومن الصحراء ورشة عمل وبناء، ومن قساوة الطقس دفء العطاء وإبداع التخطيط، وحد التناثر وألف التنافر، وجمع التناحر، وحارب الجهل ووأد الأمراض، وأقام دولة العلم والإيمان، عبدالعزيز كان فعلا معجزة القرن، فهو لم يبنِ ملكا لنفسه، بل بنى مملكة لشعبه، ولم يصطنع مجدا لذاته، فهو والمجد صنوان، إذ رضع المجد والجود والشهامة والفروسية والشجاعة منذ مراحل طفولته، فقد تربى في بيوت العز والمجد، وكان الشبل من سلالة تلك الأسود المتأصلة في أعماق التاريخ، عزا ومجدا وشرفا، لذلك فمثار دهشة المؤرخين، أنهم كانوا يجهلون تلك المؤهلات التي يمتلكها عبدالعزيز، ثم هم من جهة أخرى يدركون مدى ما كانت تعايشه الجزيرة آنذاك من تناحر وتنافر ومساحات شاسعة فوق كل تصور، ويرون أن الحال كان يمكن أن يظل على ما هو عليه قرونا طويلة، ومن المستحيل لقبيلة كيف بشخص، أن يجرأ لمجرد التفكير في تخليص حيز محدد من تلك المناطق القابعة تحت إرهاصات الجهل والتخلف والقبلية الماحقة، لكن عبدالعزيز قلب الطاولة وتحدى الواقع وحطم- بتوفيق من الله ثم بحماس ووطنية منقطعة النظير- كل العراقيل، وتجاوز الصعاب، وحقق المستحيل، ولعل ذلك كما أسلفت ما أدهش المؤرخين وشدهم إلى دراسة تاريخ ومسيرة هذا البطل، ثم إن الملك عبدالعزيز لم يقلد غيره فيتكلم ثم يعمل هذا إن عمل، بل العكس عند عبدالعزيز، هو عمل وترك الإنجاز يتحدث عن نفسه، وحينما تعمق أولئك المؤرخون في سيرته، أدركوا البعد والحنكة والمراس عنده. الحديث عن البدايات ثم قيام الدولة وتعاقب الأجيال الوفية منذ توحيد الكيان ومرورا بالملك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله- رحمهم الله وجزاهم على ما قدموا لهذه الأمة خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم- فقد أبلوا بلاء حسنا في صنع هذا المجد والمحافظة عليه، والوقوف مع الأمة في سائر قضاياها وقد يتطلب الحديث منا أكثر من وقفة، لكنني اليوم أرى هنا وبحكم معايشة الحدث، سيما ونحن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وحرصه الكبير على المحافظة على تلك المكتسبات والعمل على تطوير البلاد في شتى مناحي الحياة. إذا فلا غرابة أن نحتفي بيومنا الوطني ومرور 91 عاما على هذه المسيرة المظفرة حتى عهد تتويجها بالمنجزات الضخمة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ملك الحزم والعزم، والتي تأتي امتدادا لتلك البداية الوطنية الحافلة التي أرسى قواعدها الموحد المؤسس، وذلك احتفاء تنويريا يبتعد كل البعد عن البهرجة والتنظير التصويري، والتركيز على ما تحمله تلك الاحتفاءات من مضامين تؤكد أهمية التمسك بالعقيدة الإسلامية، كمنطلق لتحقيق الخير والرخاء لبلادنا، وأن الاحتفاء ذا معان سامية تختلف عما تحمله الاحتفالات عادة من مظاهر، وذلك بتجنب المبالغة والالتزام بتعاليم الدين الحنيف، والبعد أيضا عن كل ما يسيء إلى العقيدة والقيم والمبادئ، وكل ما قد لا يعود بالنفع على الأمة، فقد كانت الثوابت راسخة لا تتغير ولا تتجزأ منذ قيام هذا الكيان، والفعاليات المعدة لهذه المناسبة، ستكون امتدادا لذلك النهج، وتلك الثوابت الراسخة، التي تواصلت معطياتها إلى يومنا هذا وإلى عهد أبوفهد- وفقه الله، عهد الرخاء الشمولي، عهد بلغت فيه المملكة شأوا كبيرا، وحققت مراكز متقدمة في كافة المجالات، وتبوأت مكانة مرموقة بين مصاف دول العالم وعلى كافة الأصعدة، وأكاد أجزم أن كافة الأنشطة والفعاليات ستكون دروسا وتجارب، وأن ما نعيشه اليوم وفي عهد الملك سلمان- أمده الله بالصحة- وولي عهد الأمين كما أشرت سابقا أنه عطاء متواصل لمرحلة طويلة، صنعت هذا المجد وهذا الكيان، على الصعيد الدولي حيث أصبح للمملكة دور ريادي توجه ببصمات أشاد بها الجميع، وكانت مواقف المملكة، مواقف ثابتة داعمة لكل حق ومؤكدة حق السيادة للدول، وداعمة قوية لنشر الإسلام الصحيح، ونصرة الشعوب المظلومة، ودعم التجمعات والأقليات الإسلامية في كل مكان، ونشر المراكز الإسلامية في شتى بقاع العالم لتنوير المسلمين وتبصيرهم بأمور دينهم، وتقديم المعونات النقدية والعينية أثناء الكوارث بصورة جعلت المملكة تتبوأ مكانة مرموقة، والحديث في هذا المجال يطول أيضا، ولكن أحببت الإشارة الموجزة.. أما في مجال خدمة ضيوف الرحمن، فمن خلال ذلك الزخم الهائل من الخدمات المسخرة للجميع بدءا من ممثليات خادم الحرمين في الخارج مرورا بميناء الوصول حتى لحظة الوداع حتى مع وباء كورونا، ومن خلال هذا الكم المتقن من المرافق، التي أولت حسن الأداء والجودة جل عنايتها، ومن خلال هذه المنجزات الجبارة والمتلاحقة التي سخرت بسخاء منقطع النظير خدمة لضيوف الرحمن، بدءا من توسعة الحرمين الشريفين أضعافا مضاعفة، وأحدث الطرق العالمية وفق أحدث ما توصل إليه العالم من جسور وأنفاق وطرق ومد شبكات المياه والكهرباء والهاتف وأخيرا سكك الحديد والتي بدأها بقطار المشاعر، ثم قطار المدينة - مكة، وكل ما من شأنه تسهيل سكن وتنقلات وأداء نسك الحجيج بكل يسر وسهولة، وذلك من خلال منظومة متكاملة، وحلقات كبيرة متواصلة، من المرافق والمنجزات العملاقة، وخدمات شمولية متناهية الرقي تجهيزا وأداء وتنسيقا. أما في مجال البنى التحتية لكافة مرافق الدولة، ومرحلة التركيز على الاستثمار وخصخصة بعض المرافق الحكومية ابتداء بالهاتف ودور القطاع الخاص، وما واكبها من تطور، فالحديث أيضا هنا قد يطول بنا ويحتاج إلى مساحة أكبر، لكن يكفي المملكة أنها وفي جميع المجالات، قد حققت قفزات رائعة مليئة بالمنجزات والمعطيات الجبارة، التي حصلت في معظمها إن لم يكن جميعها، على شهادات تفوق عالمية، تؤكد سلامة النهج ونصاعة الصورة وحجم العطاء مترجمة برؤية 2030 وأصبحت تشكل ثقلا سياسيا واقتصاديا عالميا جلها تتبوأ دوما المكانة العلياء وتعتبر الركيزة في أي تجمع عالمي ومن ضمن قائمة ال20 على مستوى العالم.