بعض المقولات يحفظها التاريخ لأهلها لتبقى على مر الأزمنة لدقتها وقوة تعبيرها، وبعضها شديدة الإيلام حتى وأن كان بعض أصحابها قد دفنوا تحت التراب، لكن كلماتهم رسخت من بعدهم ولم تؤثر فيها الشيخوخة بل أصبحت كالكنز نستدعيها لنسقطها على كثير من المواقف. ومن الكلمات التي ما زالت تقيم في صدورنا للراحل الكبير غازي القصيبي -رحمه الله- كان يصف من خلالها بعض الشخصيات فيقول «هناك نوعان من الشخصيات نوع شديد البريق شديد اللمعان يجذبك إليه فلا تجد من وراء البريق واللمعان شيئا، ونوع خافت تكاد تصرف نظرك عنه إلى ما هو أكثر إثارة ثم تقتضي الظروف أن تقترب منه فتجد منه أعماقا لم تكن تخطر لك على بال»، ويمكن أن نستعير الكلمات هنا ونخص بهذه المقالة للدلالة على الشخصية الأولى (شديد البريق واللمعان) والتي أصبحنا نجدها في كل مكان من حولنا فقد يقابلك البعض بكلمات سحرية وبالجمل الباذخة في خلطة عجيبة فتعيش معها لفترة قصيرة أقصى أحلامك، ولكن النتائج المدمرة تجدها في المحصلة النهائية هزيلة وجافة وتلتحف التخاذل، فعندما تبحث عن بعض اللمعان الذي سمعته والبسمات التي جذبتك تجدها تحولت إلى صورة مظلمة وقاتمة وتتنصل من الوعود البراقة، وفي كثير من المرات تتنكر لكل شيء، وخاصة في النوائب يفعلون أسوأ ما يمكن فعله فتوصد تلك الشخصيات الأبواب بألف قفل، وتختفي فجأة، ويدخل في زمرتهم بعض أصحاب الكروت التعريفية ممن حفظنا ملامحهم عن ظهر قلب ويرون أنفسهم (كبرات) حيث يهدونها لك بلباقة وقد زينوها وجملوها ولكن لا يتعدى جمالها الورق الفاخر والزخرفة. ومثل هؤلاء الذين يحملون نفس الصفات المتلونة (أحفظهم في خزينة العمر) ليس من باب التشبث بهم، ولكن لتصون نفسك قبل أن تدفع فاتورة قيمتها عض أصابع الندم. وبذكائك يمكن أن تصفي كثيرًا منهم في (المنخل) حتى يذهب الزبد جفاء، أما إذا قررت الاستعجال قبل أن تعصف بك ظروف الزمان فأوقد عليهم كما يوقد على الذهب والفضة والنحاس، والموقد هنا أو المحك هو المواقف العصيبة التي تمر بها فستجد حولك النافع منهم والمخلص والصادق والمحب دون أن تطرق أبوابهم.