أكرمني الله بمتابعة قناة ثمانية تقريبًا منذ نشأتها قبل عدة سنوات، ولقد لفتتني هذه القناة المُتميزة «بإذاعتها» ذات الخط الصحافي المختلف، «وبفنجانها» الثقافي المدهش الممتع، «وبسوالفها» الاقتصادية التي تستشرف فيها المستقبل، «وبسقراطها» الذي يبحث مُتفحصاً خلف مشاريع رؤية المملكة 2030، وبأفلام «أرباع» التي أكملت مسيرة ثمانية الوثائِقية، والتي سبقت القناة فيها العصر (ببودكاست) أصوات الممتع، إضافة إلى برنامجي «المحور الثاني» و«تماس»،وغير ذلك من البرامج والتقارير الصوتية والمرئية والمشاهدة والمقروءة التي طرقت غالب المجالات التي يهتم الشعب السعودي والعربي بها، والتي بالتأكيد يقف خلفها فريق عمل على قِلة عدده إلا أنه يقوم بأعمال جبارة يشهد عليها العالم العربي من المحيط إلى الخليج، ويستمتع بمتابعتها الكبار والصغار، ويشاهدها بكل شغف النخبة والعامة، ويفهمها ذوو الثقافة والدهماء. لقد اتخذت قناة ثمانية خطا تحريرا مُختلفا من خلال استضافة الضيوف المجهولين قبل المعروفين، فلم يكن همها أن تنال أعلى أرقام المشاهدة في يوتيوب، ولم يكن هدفها أن تحوز أعلى نسبة مستمعين في تطبيقات (البود كاست)، ولذلك فإن أبرز مقدم فيها المحاور والصحفي عبدالرحمن أبو مالح يؤكد على هذا الأمر دائما وأبدا في كل حلقة، عندما يقول: (شاركوا هذه الحلقة مع من تظنون أنه مهتم بهذا الشأن). ولذلك فقد كانت «قضية» الضيف هي الهدف السامي والدائم لدى ثمانية، سواء أكان هذا الضيف مغمورا أو معروفا، لديه متابعون كُثٌر أم لا. وواصلت ثمانية تميّزها في خطها التحريري الذي كانت ولا تزال تمنح فيه ضيوف البرامج الحوارية الوقت الكامل حيث تتجاوز مدة بعض الحلقات أكثر من ساعتين، يقول فيها الضيف بكل أريحية كل ما يريد، ويبوح فيها بكل ما يرغب دون أيّ إطارات رسمية كالتي نراها في بعض البرامج الحوارية على التلفزيونات العربية. ولم تكتف ثمانية بذلك إذ طرقت الكثير من الأمور التي كانت محظورة في المجتمع كالحديث عن الجِنس وبقية الأشياء الأخرى التي حتى وإن لم تكن محظورة إلا أن الحديث عنها نادر، «كالهجمات الإيرانية في مكةالمكرمة» في فترة الثمانينات، وغيرها من «الأشياء التي غيرتنا» في المجتمع «كالطفرة وحرب الخليج» وغيرها من المُتغيرات التي عاش فيها المجتمع العديد من التحولات التاريخية الكبرى. وغيّرت ثمانية خارطة (البود كاست) في العالم العربي عندما دمجت بين منصة يوتيوب ومنصات (البود كاست) الأخرى لتقدم برامجها وموادها المختلفة في جميع هذه المنصات، جاعلة بذلك الخيارات أكثر اتساعًا أمام المُتابع الخليجي والعربي. وبعد صبر طويل آمنت إدارة بنك الراجحي ورعت قناة ثمانية مما ألقى على قلوب الكثير ممن لا يزالون متمسكين بكلاسيكية المعرفة البشرى، فهم الذين يبحثون دائماً عن العلم والثقافة بعيدًا عن ضجيج بعض المشاهير الفارغين، وسطحية الكثير من المواد التي نراها في جميع منصات التواصل الاجتماعي. وتتميز ثمانية بتقديمها موادّ قريبة من المجتمع، حيث يشعُر كل واحد منا أثناء استماعه أو مشاهدته لتلك المواد بأنها تُخاطبه، وتتلمس مشاكله، وتُعالج قضاياه، وتضيف له الكثير من المعرفة، وتمنحه المزيد من الثقافة.. وتبرز له الكثير من الخبراء والخبيرات الذين يقدمون له الفكر السليم، ويناقشون معه المعرفة المفيدة، مساهمين بذلك في رفع الوعي المجتمعي، ومشاركين في تعزيز الفكر الاجتماعي بوضع الأمور في كافة المجالات في مسارها الصحيح. أخذتنا ثمانية بعيدا حينما أكرمتنا بالكثير من البرامج المتنوعة، وجعلتنا نسافر مع طرحها الفكري العميق إلى زوايا بعيدة، حيث دمجت بين المتناقضات من خلال استضافة العقول الكبيرة ومحاورة أصحاب الفكر العالي بأسلوب سهل وسلسل ومرنٍ ومُبسط. وتبسيط الأفكار الذي تناولته ثمانية وعودّت عليه ضيوفها الكِرام جعل متابعتها تزداد يومًا تلو الآخر، فالناس لا تريد سوى من يَفهمها، وثمانية قامت بذلك، والمتابعون لا يريدون سوى من يطرق قضاياهم وثمانية فعلت ذلك، والشباب يرغبون دائِمًا فيمن يسمعهم ويسمعهم وثمانية أمنتّ لهم ذلك. لقد أدارت ثمانية برامجها بروح شبابية جميلة، فالكثير من فرق عملها هم في سن الشباب، ولذلك فقد أضافوا لها طاقة هائلة، وأضفوا على منتجاتها الكثير من التجديد والحيوية والسبق الإعلامي المميّز. نعم.. ولدت ثمانية في بيئة لا تعرف البيروقراطية والتمطيط والإطالة، حيث نشأ كل شيء فيها بسرعة فانطلقت برامجها بسرعة الريح العاتية نحو المشاهدين والمستمعين من المحيط إلى الخليج، متجاوزة بذلك الحدود، وثّابَة لا تعرف القيود. لقد كوّنت ثمانية بيئة عمل طموحة، فجمعت الطموحين والطموحات من كل مكان ليعملوا في نسق لا يعرف المستحيل، وينطلقوا في جو لا يعرف كلاسيكية العمل ومطولاته، ففتحت لهم سقف الأعمال، وهدمت لهم سقف الآمال. فانطلق الجميع كيد واحدة في عوالم إعلامية فريدة، عوالم لا تبحث عن الإثارة السريعة أو الشهرة السطحية العابرة، وإنما تلك العوالم التي يبحث فوق طاولتها الكثير من القضايا العميقة بكل هدوء، حتى يصل الصوت قبل الصدى للملتقي الذي راعت ثمانية أن تُبسط له الإجابة قبل السؤال، وتُسهل له التساؤل قبل المضمون. أثبتت ثمانية أن الأصل في المعنى لا في المبنى، وأن القصة في المضمون وليست في المباني الضخمة، فقدَّمت للجمهور العربي الكثير من المواد الإعلامية والفكرية الضخمة بأساليب بسيطة، وبأدوات تُعتبر محدودة أمام تِلك التي تمتلكها القنوات الفضائية ذات الصروح الكبيرة والأدوات الضخمة. لتؤكد للجميع أن التفوق يكمن في القُدرة الحكيمة على إدارة العقول والإمكانات والجهود في توجيه بوصلة الجميع نحو الاتجاه المناسب، لتتضافر بذلك الطاقات الشبابية في الاتجاهات التي تخدم المجتمع وترفع مستوى الوعي بين أفراده.. وهذا ما تحمله ثمانية دائمًا على عاتقها في خدمة الثقافة ودفع عجلتها نحو الأمام دائمًا. ثمانية قناة تمتلك أهدافا سامية،قناة ليست لديها أفكار دامية، تستضيف ذوي الأفكار العالية في حلقات واقعية مثالية.