غابت شمس لندن تقريباً، فابتداء من مساء أول من أمس عاد البرد من جديد، وعادت أصوات الرعد تلعلع، وعاد البعض إلى ملابسه الثقيلة بعض الشيء. ورغم صباح مشرق أمس، إلا أن الأمطار بدأت هطولها، وزادت المخاوف على الألعاب التي تقام في فضاءات مفتوحة مثل سباقات الدراجات واستعراضات الفروسية وكرة الطائرة الشاطئية والقوس والنشاب والتجديف. لكن طقس لندن الماطر والبارد تسخنه أجواء التنافس الأولمبي، والإثارة التي تطغى على كل شيء، حتى الصفحة الرئيسة لموقع البحث العالمي الأشهر جوجل تتبدل هنا في بريطانيا كل يوم مع الألعاب، حيث ظهرت أمس مشيرة إلى منافسات سباحة السيدات التي التهبت حرارتها. وفي وقت لم تبلغ فيه المنافسات بعد مراحل الحسم، ومازالت في طور التسخين والتصفيات باستثناء بعض الألعاب التي شهدت تتويجاً منذ يومها الأول، ما زال الحديث يتردد عن حفل افتتاح الألعاب، ربما لأن صوره هي التي تبقى في النهاية كتأريخ لهذا الحدث الأبرز، وقد انعكس ذلك في اهتمام شديد في الصحف المحلية، حيث عنوّنت "التايمز" في صدر صفحتها الأولى "الاستعراض الأعظم".. وركزت بعد غلاف حمل صورة الحلقات الأولمبية الخمس التي أمطرت أنواراً ليلة الافتتاح، على صورة الملكة إليزابيث وهي تغادر مكتبها برفقة الممثل دانيال كريج متجهة إلى افتتاح الألعاب، فيما كانت صحيفة "ذي صن" تشير للمملكة بتعبير فيه كثير من الذكاء مستخدمة تعبير "فتاة جيمس بوند الجديدة" بالنظر إلى أن كريج يقوم منذ عام 2006 ببطولة أفلام بوند. وبوند هذا شخصية خيالية لجاسوس بريطاني ابتدعها المؤلف ايان فيلمنج عام 1953 تحولت بعد سلسلة من القصص والمغامرات لتصبح مادة سينمائية ثرية تناوب على أداء شخصية بوند فيها ستة من الممثلين بدءا من باري نيلسون، ثم شون كونري وجورج لازينبي وروجر مور وتيموثي دالتون ثم بروس بروسنان وأخيراً كريج. وفي كل فيلم كان لبوند هذا فتاته التي تحبه أو تنافسه أو تبادله الأدوار، لذا لجأت الصحافة في تلميحات ذكية لاعتبار الملكة هي فتاته في فيلمه في افتتاح الأولمبياد، مركزة على الأداء التمثيلي الجيد الذي قدمته الملكة، وهو ما لعبت عليه كثيراً صحيفة "الجارديان" في معرض تناولها لتغطية الحفل الافتتاحي. انتشار وبعدما كانت الحديقة الأولمبية قبلة معظم المهتمين حينما شهدت حفل افتتاح الأولمبياد، بدأ الزحام يخف فيها بعد ذلك، ولم تعد خطوط النقل العام المتجهة نحو ستراتفورد شرق لندن حيث الحديقة والقرية الأولمبيتان تشهد ذاك الزحام الخانق، بل توزع متابعو الفعاليات على نحو 34 منشأة، نجح الإنجليز في أن ينثروها في لندن وبعض المدن الأخرى، كما استخدموا كل مواقع الجذب السياحي للترويج والتسويق لها، وزيادة الاهتمام فيها إلى أقصى مدى ممكن. على بعد خطوات فقط من ساحة بيكاديللي، كان الصخب يعلو، كانت فعالية "كرة الطائرة الشاطئية" تقام هناك، وسط كثير من المعالم، وكان ذلك ذكاء شديداً ينبىء حتى غير المهتمين من السياح أن حدثاً ضخماً يقام في الجوار. كان يمكن لمرتادي (عين لندن) وهي عجلة سياحية كبيرة تحمل 32 كبينة ويبلغ ارتفاعها 150 متراً أن يروا ويسمعوا صرخات الجماهير التي تتابع مباريات الكرة الشاطئية التي تقام على بعد بضع مئات من الأمتار منهم، وكثير منهم توجهوا بعد انتهاء جولتهم في (العين) لمتابعة الصخب الرياضي القريب. ولم تكن إقامة كرة طائرة شاطئية بعيداً عن الشواطىء هي التغيير الوحيد الذي لجأ له الإنجليز لجعل المتعة أكبر، ولتوزيع خارطة الألعاب ومنشآتها، فقد أحدثوا كذلك كثيراً من التغييرات في ملاعب ويمبلدون التي كانت أحرص ما تكون على تقاليدها، لكنها استجابت للحدث وبدلت جلدتها، حتى إن رئيس النادي فيليب بروك قال في تصريحات إعلامية "سيكون ويمبلدون مختلفاً هذه الأيام، لن يكون ويمبلدون. ولا يحاول أن يكون ويمبلدون". معلومات قريباً من كل معلم سياحي، وفي كل بضعة أمتار ينتشر مرشدون مستعدون للمساعدة وتقديم المعلومات لكل سائل بابتسامة عريضة، وبدت البزات الخاصة بلونها القرنفلي الذي يبدو علامة مميزة للأولمبياد تنتشر في كل زاوية، فقريباً من "عين لندن" وبرج "ساعة بيج بن" كان هناك مكتب يحمل ألوان الأولمبياد وشعاره، كان يعلن عن نفسه تحت عبارة "ألديك سؤال؟ اسأل عن لندن وعن الألعاب"، ويقدم منشورات عدة عن الألعاب وأماكنها ومواعيدها، جنباً إلى جنب مع معلومات عن معالم المدينة وكيف يمكن التنقل فيها في وسائل النقل العام. إجراءات خاصة أدرك القائمون على الأولمبياد الحاجة الماسة للمشاركين فيه للتنقل المريح والسريع الذي يتجنب الاختناقات المرورية والمفاجآت، ولذا وضعوا ممرات خاصة لهؤلاء المشاركين، وأعطوهم استثناءات عدة، اشتكى معها كثيرون من غير المشاركين من معاملة اعتبروها تمييزية.