إن شهر رمضان فرصة ثمينة ومناسبة عظيمة يتقرب فيها المسلم إلى الله تعالى بسائر الطاعات، وعلى رأسها الدعاء الذي هو مخ العبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" وقال: "ثلاث دعوات لا ترد، وذكر منها دعوة الصائم حتى يفطر". وحقيقة الدعاء إظهار الافتقار إلى الله سبحانه في كل ما يأتي الإنسان ويذر من أمور حياته، وفيه معنى الثناء على الله جل وعلا المنعم المتفضل، وهو القائل سبحانه { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}. والدعاء أكرم شيء على الله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء". والدعاء سبب لدفع غضب الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه". والدعاء سبب لانشراح الصدر وتفريج الكرب وتيسير الأمور، ولقد أحسن من قال: وإني لأدعو الله والأمر ضيق عليَّ فما ينفك أن يتفرجا ورب فتى ضاقت عليه وجوهه أصاب له في دعوة الله مخرجا والدعاء دليل صدق اللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه، وأعظم ما يتجلَّى هذا المعنى في حال الدعاء، ذلك أن الداعي مستعين بالله، مفوض أموره إليه وحده. وإذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده ذلك لأن الداعي يأوي إلى ركن شديد ينزل به حاجاته ويستعين به في كافة أموره ويستغني عن الخلق ومنتهم والطمع عما في أيديهم. والدعاء سلامة من العجز ودليل على كمال العقل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام". ومن فضائل الدعاء أن ثمراته مضمونة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كف عنه من سوءٍ مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ". وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من مؤمن ينصب وجهه لله يسأله مسألة إلا أعطاه الله إياها، إما عجلها له في الدنيا وإما ذخرها له في الآخرة، ما لم يعجل". ومن ثمرات الدعاء أنه سبب لدفع البلاء قبل نزوله ورفعه بعد نزوله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يغني حذر من قدر، وإن الدعاء ينفع ممَّا نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة". ومن فضائل الدعاء أنه مفزع المظلومين وملجأ المستضعفين إذا انقطعت بهم الأسباب وأغلقت في وجوههم الأبواب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق السحاب ويقول "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعيد حين". وصدق الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال: أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاءُ سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاءُ فاللهم يسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى، واختم بالصالحات أعمالنا، وتقبل منا صيامنا وقيامنا، وتوفنا وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين.