عندما أعلن ولي العهد - حفظه الله - الأسبوع الماضي تطوير منظومة التشريعات المتخصصة، وتطوير البيئة التشريعية من خلال تطوير دراسة أربعة مشاريع أنظمة: مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الإثبات، فإنما ذلك تأكيد منه - حفظه الله - على حماية وصيانة الحقوق، وترسيخ مبادئ العدالة والشفافية، لتحقيق حماية حقوق الإنسان. ومن أهم الجوانب التي سلط عليه اهتمامه «الحد من مدد التقاضي والتباين في الأحكام»، وهو ما ألحق الضرر بمن يجهلون آلية المطالبة بحقوقهم الشرعية. والذي يهمني في هذه الأنظمة، ومن واقع عملي وخبرتي السابقة، وتناولتها سابقا هما: -1 مشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية الذي سيسهم تطويره بلا شك في إقرار العقوبات البديلة، وأن الأصل هو براءة المتهم من الاتهام المنسوب إليه، وأن هناك تدرجا في العقوبات قبل الإيقاف الكامل، وإلحاق بعض المتهمين بالسجن، خاصة الشباب والفتيات، والنساء ذوات الظروف الخاصة، لأن الآثار النفسية والسلوكية والأسرية ستكون لاحقا أسوأ من الجرم أو الجنحة المتسببة في الإيقاف. وكما أشار وزير العدل - حفظه الله، فإن «هذه المنظومة من التشريعات ستراعي الآثار السلبية الناتجة عن عقوبة السجن، وإيجاد خيارات متعددة أمام القضاء»، الذي لن يتحقق إلا بإعداد نظام خاص بالعقوبات البديلة، وإقراره واعتماده عاجلا، للتطبيق من قبل جميع القضاة. -2 أما مشروع تطوير نظام الأحوال الشخصية فهو من المشاريع المهمة جدا، لأنه يعني ب«الأسرة» التي يرتكز استقرار ونماء المجتمع عليها، لذلك فإن القرارات العدلية والحقوقية المتتابعة، ما بعد برنامج التحول الوطني، تتطلب ضرورة مشاركة الكفاءات النسائية المتخصصة ذات الخبرة في المجال الاجتماعي والنفسي في هذا المشروع، وألا يقتصر الأمر على العنصر الرجالي فقط، لأنه يهتم بتعزيز مكانة الأسرة وتوثيق أواصرها، ورعاية مصالح الطفل، ويتناول الأحكام المتعلقة بالقضايا الأسرية التي لن يتوقف تكالبها على المحاكم، للطبيعة البشرية المتنازعة دوما، بحثا عن حماية حقوقها، خاصة في ظل عدم وجود إطار قانوني واضح للأفراد، كما أكد ولي العهد بقوله: «لقد كان ذلك مؤلما للعديد من الأفراد والأسر، ولا سيما للمرأة»!. الكثير من النساء المظلومات، سواء قبل الزواج أو في أثناء حياتهن الزوجية أو ما بعد الطلاق، يرتقبن تطوير نظام الأحوال الشخصية، لإيقاف استغلال آلية المطالبة بالإرث، ومماطلة ذكور العائلة في تسليمهن نصيبهن من الإرث، وحمايتهن كذلك بعد الطلاق من «الطرد من بيوتهن» بعد سنوات من العِشرةِ والخدمة والإنجاب، وتربية الأبناء حتى يبلغوا سن الرشد، فتجد نفسها فجأة لاحول لها ولا قوة. فإذا كانت ذات أسرة متماسكة لجأت لهم، طالبة حمايتها ورعايتها، وإن كانت العكس، فإنها ستضطر للبحث عن مصدر رزق حتى لو كان بسيطا، أو ضمان اجتماعي يسد حاجاتها الضرورية. لذلك لا بد من إقرار الذمة المالية ما بين الزوجين، وتوثيقه في عقد الزواج، وتوعية المقبلات على الزواج بأهمية معرفة حقوقهن المالية، للحد من استغلالهن ماليا خلال فترة الزواج، وعند الطلاق تكون الصدمة الحقيقية، حيث لا تجد ما يشبع حاجتها ويصون كرامتها من الحاجة للناس، خاصة ممن لا دخل ثابت لهن. وأخيرا.. بلا شك أن التشريعات الأربعة مكملة لبعضها في أي منظومة تشريعية في العالم، ونتمنى أن يكون تطويرها معالجا قويا للخلافات التي كانت حولها منذ عقود، خاصة نظام الأحوال الشخصية، لأن القضايا الأسرية عديدة، وتفاصيلها دقيقة، وآثارها السلبية (أخلاقيا وجنائيا) لا يستهان بها على جيل الشباب، وعلى نمو المجتمع وازدهاره.