إن صدور الأمر الملكي الكريم بشأن الإصلاحات الهيكلية والتنظيمية والمالية في قطاع الكهرباء، وضمه إلى وزارة الطاقة، يأتي ضمن خطط تنفيذية لتحقيق «رؤية المملكة 2030»، حيث إن المستهدف من هذه الإصلاحات النهوض بقطاع الكهرباء، الذي كان أقل من المأمول، لأسباب كثيرة مرجعها النهائي هيكلي وتنظيمي، إلا أنه بعزم القيادة الرشيدة، وفي ظل متابعة مباشرة من سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، اتُخذ القرار الإصلاحي الذي ستكون له تبعات مالية على الدولة، لكنّه سيسهم في النهاية في إصلاح القطاع بشكل عام، وسيعزز من استدامة الإنتاج الكهربائي، ورفع كفاءة الخدمة والسعر النهائي للمستهلك، هذا بالإضافة إلى الفائدة البيئية المترتبة من تطوير مزيج الطاقة، بما يحقق التزام المملكة باتفاقية التغير المناخي. حتى وقت ما قبل إعلان «رؤية المملكة 2030»، كان قطاع الكهرباء يحرق ما يقارب 4 مليارات برميل نفط سنويا لإنتاج الكهرباء، وهي ما يعادل نصف إنتاج المملكة من النفط سنويا، ولو اعتبرنا إمكانية بيع كل النفط المحروق، فإنه كان بإمكاننا مضاعفة ميزانيتنا السنوية لو أوجدنا البدائل للوقود النفطي السائل. وفي الحقيقة أن هذا هو توجه قائد الرؤية السعودية سمو ولي العهد، حيث إن المستهدف الأوّلي الآن هو خفض إنتاج الكهرباء من السوائل النفطية إلى %50، والتحول لإنتاجها من مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة. ومن المتوقع بحلول 2030 - إن شاء الله - أن يبلغ عدد سكان السعودية 40 مليون نسمة، وهم يمثلون %0.5 من سكان العالم ككل، مما يعني زيادة الطلب على الكهرباء المتوقع من نحو 280 تيرا واط في الساعة إلى ما يقارب 370 تيرا واط في الساعة، وهو الرقم الذي تعتزم السعودية إنتاج نصفه من مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومن ربع مليون طن سنويا من «الهيدروجين الأخضر»، و1.2 مليون طن من «الأمونيا الخضراء» التي يتم الآن التحضير لإنشاء مصانعها في مدينة «نيوم». وفيما يتعلق بالنصف الآخر الذي سيتم إنتاجه من المصادر غير المتجددة، تخطط السعودية إلى خلق مصادر تجديد له، بمعنى تجديد مصادر الطاقة غير المتجددة مثل الغازات والسوائل الأحفورية من خلال استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء عوضا عن النفط، والاستفادة من النفط إما ببيعه أو إنتاج المواد الكيميائية من خلاله، وهو مشروع كبير تعمل عليه السعودية حاليا، لتحويل النفط الخام مباشرة إلى كيميائيات، وأيضا من خلال لقط الكربونات المنبعثة من نواتج الغاز المستخدم في توليد الكهرباء، وإعادة تدويرها واستخدامها في خفض الانبعاثات الكربونية من جهة، ولتعظيم الفائدة من جهة فيما يعرف ب«الاقتصاد الدائري للكربون». إن دمج قطاع الكهرباء مع وزارة الطاقة يعد تمكينا مهما لأعمال الوزارة، وخطوة قوية إلى الأمام في تنفيذ رؤية المملكة بمجال الطاقة، من خلال استدامته من جهة، وخلق سوق تنافسي في مجال التوليد والتوزيع من جهة أخرى، مما سوف يعود على المواطن بالنفع وكذلك الأجيال اللاحقة. إن اعتماد المملكة على مصادر الطاقة البديلة في إنتاج الكهرباء سيساعدها في توجيه مصادر الطاقة التقليدية إلى مصارفها الأنفع، واستدامة القطاعات الأخرى غير النفطية التي تعتمد بطريقة غير مباشرة في اقتصاداتها على النفط، مما يعني تعزيز جانب الانتاج الصناعي والابتكار والتوطين والتوظيف والاستثمار، وأيضا رفع قيمة الواردات غير النفطية للمملكة، وعليه كانت كلمة سمو ولي العهد، الأسبوع الماضي، عندما تحدث في كلمته الضافية عن أهم ما أنجزته المملكة حتى الآن منذ إطلاق رؤيتها الميمونة. إن الدولة الآن تتوجه لرفع كفاءة الاقتصاد وزيادة دخل المواطن، وهو ما يأتي في مقتضاه هذا الأمر الملكي الكريم بضم قطاع الكهرباء لوزارة الطاقة، تمكينا وتعزيزا لأعمال الطاقة من أجل استدامة رفاهية الوطن والمواطن.