مما يخفف أعباء ومخاطر بعض الأوبئة والأمراض على الدول والأفراد اكتساب التحصين بعد الإصابة به وحصول المناعة ضد نوع أو أكثر من هذه الأوبئة، فهل وباء كورونا من هذا النوع، أم هو نوع متجدد لا يستفيد الجسم منه تحصينا؟. لعل هذا المقال يثير أسئلة هذا الموضوع ويجيب عنها. في دراسة بريطانية حديثة أجرتها كلية Kong's College الشهيرة على 96 شخصاً، تم نشرها مؤخراً في قناة BBC المعروفة، مفادها أن معظم من أُصيب بفيروس كورونا وتم تعافيه منه كوّنت أجهزته المناعية أجساما مضادة، ولكن هذه المناعة غالباً لا تدوم طويلاً، حيث لوحظ أن هذه الأجسام بدأت تضعف تدريجيا خلال ثلاثة أشهر من التعافي من المرض. إن جهاز المناعة مهمته الأساسية إنتاج أجسام مضادة تحارب أي عدوى أو أجسام غريبة تهاجم الجهاز المناعي للإنسان، وهذا الجهاز يتكون من جزءين أساسيين: الأول: الاستجابة المناعية الفطرية وهذا النوع من المناعة غالباً ما يكون مستعدا في أي وقت لمحاربة أي أجسام غريبة، وذلك بإطلاق مواد كيميائية وخلايا دم بيضاء دورها القضاء على الخلايا المصابة. ولكن هذا النوع من المناعة قد لا تكون لديه القدرة الكافية للقضاء على كثير من الفيروسات خصوصاً الجديد منها. الثاني: الاستجابة المناعية التكيفية وهذا النوع يفرز خلايا تحتوي على أجسام مضادة محددة تستهدف مهاجمة الخلايا المصابة بالفيروس فقط، وهو ما يسمى بالاستجابة الخلوية، وحسب ما أشارت إليه بعض الدراسات فإن هذا النوع من الاستجابة يستغرق وقتا أطول يصل أحياناً إلى عشرة أيام لكي يصنع الأجسام المضادة، وهنا يأتي الفرق بين من مناعتهم قوية وبين من مناعتهم ضعيفة، أو لديهم أمراض مزمنة خصوصاً في جهازهم التنفسي، حيث إن من لديهم المناعة القوية فإن جهازهم المناعي غالباً ما يتذكر تلك الأمراض المعدية التي تعرض لها سابقا بكل وضوح وحاربتها مناعتهم بكل استبسال، وكونت لديهم حصانة لأجسامهم في المستقبل، وهذه الذاكرة تشبه إلى حد كبير ذاكرة الإنسان العادية، حيث يعتريها النسيان خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالأمراض التي تعرض لها الجهاز المناعي منذ مدة زمنية طويلة. فعلى سبيل المثال، الأمراض المعدية كالحصبة مثلاً لا يمكن للجهاز المناعي تذكرها، لذا كان لزاماً أخذ اللقاح الخاص به كي يعطيه مناعة مدى الحياة. وقد أظهرت بعض الدراسات أن بعض المرضى تعاودهم الأمراض المعدية خلال العام الواحد أكثر من مرة. حيث ذكر بول هانتر، وهو أستاذ الطب في جامعة إنقليا الشرقية قائلاً "السؤال ليس ما إذا أصبحت محصناً من المرض، بل إلى أي مدى لن يعاود المرض مرة أخرى؟". وأردف بول قائلاً "من شبه المؤكد أن لا تستمر الحصانة من المرض مدى الحياة". وبالمقارنة بالدراسات الخاصة للأجسام المضادة في فيروس سارس على سبيل المثال، فإنه من الممكن أن تستمر المناعة فقط لمدة سنة إلى سنتين كحد أقصى. ولكن السؤال الهام الذي تحدثت عنه كثير من وسائل الإعلام والمؤتمرات في عدة دول هو "هل جهاز المناعة يكون محصناً من عدوى الفيروس للمرة الثانية بعد أن تكونت لديه أجسام مضادة؟ إن هذه المسألة جعلت كثيرا من دول العالم تعتمد عليها في فك الحظر عن بلدانها وإعادة الحياة لطبيعتها بعد أن فرضته على شعوبها طيلة الأشهر القليلة الماضية، ولكن الحقيقة هو أن نتائج تلك الفرضية لم تكن مضمونة مما جعل منظمة الصحة العالمية في حالة قلق دائم تجاه اعتماد كثير من الدول هذا النهج. والحقيقة أنه ما زال هناك كثير من التساؤلات حول Covid-19 والتي لم يجد الطب لها جوابا، ولكن في الأشهر القادمة وبعد إجراء مزيد من التحقيقات والدراسات ستكون الأمور أكثر وضوحا بإذن الله تعالى. وأخيرا ودائما لا يسعنا الا أن نرفع أكفنا بأن يحفظنا والمسلمين أجمع من هذه الأوبئة والأمراض، وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان.