تأتي الأعياد بالفرحة والبهجة، وينتظرها الجميع بشوق ليُظهروا فيها السعادة والسرور، ويمارسوا فيها شعائرهم ويقوموا بزيارة الأقارب والأصدقاء والأرحام وتهنئتهم بالعيد. ولكل أمة أعيادها واحتفالاتها، ولنا نحن المسلمين عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وها نحن في آخر شهر رمضان المبارك، وننتظر أن يهلّ علينا عيد الفطر المبارك أعاده الله على الأمة الإسلامية بالخير والبركات، سائلين المولى أن يأتينا بالفرح والسرور والأخبار السارة بزوال الغمّة المتمثلة في جائحة كورونا، إنه سميع مجيب. ولا شك أن كثيرا يسأل نفسه: هل سيأتي العيد ونشعر بفرحته واحتفالاته؟ أم سيظل الخوف والقلق مسيطرا علينا في ظل أزمة كورونا واستمرار الحجر المنزلي؟ والعيد له عدد من السنن والمظاهر التي يستحب الالتزام بها، كالتكبير والاستحمام والتطهّر وأداء صلاة العيد، ومظاهر الاحتفال، وتبادل الزيارات بين الأهالي والأصدقاء والأحباب، والتجمعات سواء بالمنازل أو في الأماكن العامة أو الاستراحات، وغير ذلك من مظاهر الاحتفال والفرح بالعيد. ولكن في ظل هذه الظروف، وفي ظل استمرار الحجر المنزلي وإغلاق المساجد، ومنع التجمعات، يتساءل كثيرون: كيف تأتي البهجة؟ أين الفرحة التي ينتظرها الجميع؟ وقد يقع البعض فريسة للإحباط والحزن نتيجة لذلك، وتتأثر نفسيته، ويشعر أن العيد هذا مدعاة للحزن واستدعاء الهموم، فيتضاعف حزنه وقلقه الناجم أصلا عن أزمة كورونا والحجر المنزلي، وهنا لا بد من كلمة مهمة: بداية نقول إن العيد هو شعيرة إسلامية، ونحن مأمورون بالابتهاج له والفرح لقدومه، وهذا يعتبر تقربا إلى الله تبارك وتعالى، فنحن حين نفرح بالعيد ونبتهج، فإنه ينبغي لنا أن نعلم أن هذا استجابة لأمر الله، واقتداء بسنة نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، رضوان الله عليهم، الذين كانوا يفرحون بالعيد، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر»، ولذلك تجد كل دين وكل مذهب له أعياد يهتم بها أتباعه، ويُظهرونها، لأنها جزء مهم من دينهم (اقتضاء الصراط المستقيم) (1529)، ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: «إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين» (فتح الباري 2/443)، إذًا فإظهار السرور في العيد هو من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله. كما أننا ينبغي أن نفرح بالعيد تفاؤلا بزوال هذا الكرب وهذه الغمة بإذن الله تعالى، والمسلم مأمور بالتفاؤل والاستبشار، يقول صلى الله عليه وسلم: "يسّروا ولا تُعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا"، ففرحنا بالعيد فيه بشارة وتفاؤل بزوال هذا الوباء، كما أن الفرح علاج ومخرج للإنسان لكي لا يقع فريسة للحزن والإحباط والوساوس التي تلتهم نفسه وكيانه، وتنتشر وتزيد كما تفعل النار، فإن كان وباء كورونا ينتشر في العالم وذلك خارج إرادتنا وليس لنا يد فيه، فلا ينبغي لنا أن نسمح لوباء اليأس والإحباط أن ينتشر داخل نفوسنا وأرواحنا، فهذا الأمر بيدنا، نحن من نملك القرار فيه وليس أحد آخر. وأيضا نحن مأمورون بالتفاؤل لأن فيه حسن الظن بالله، سبحانه وتعالى، إذ إن الصادق في يقينه يأمل الخير دائما ويتوقع من ربه الإحسان، فمهما كان في شدة وضيق فهو يأمل أن ترتفع، فالتفاؤل لا يأتي إلا من قلب امتلأ بتعظيم الله وإجلاله، ولنتذكر أن البلاء هو رحمة من الله وتكفير عن خطايا العبد المؤمن، عن أم العلاء عمة حزام بن الحكم الأنصاري قالت: «عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مريضة فقال: أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة» أخرجه أبوداود: 3092. فدعونا نحترف صناعة الأمل مهما أصابنا من ألم، فنلبس الجديد ويفرح صغارنا بالعيد، ونرسم البهجة في وجوههم، فتفاءلوا وثقوا بالله فإن الفرج قريب. وكل عام وأنتم بخير.