سببت جائحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) خسائر وأضرارا جسيمة وصلت آثارها إلى معظم الدول والشعوب في جميع أنحاء العالم. ويقتضي التصرف الإيجابي المبني على المنهج العلمي في مواجهة مثل هذه الجائحة أن تتبنى إدارة المخاطر والأزمات في الجهات والقطاعات المختلفة تطوير مشاريع وبرامج تنموية مستدامة محليا وعالميا، تعتمد على توظيف آخر ما توصلت إليه المعرفة العلمية في معالجة مثل هذه الظواهر والأزمات، والسعي إلى رفع وعي صانعي القرار في الجهات المختلفة وإرشادهم إلى أفضل السبل في إدارة الأزمات المتوقعة ومحاولة تجاوزها بأقل الأضرار. إدارة الأزمات هي فن إدارة الممكن، وتعني كذلك التحكم في الأزمة والسيطرة عليها بطريقة تضمن تجاوز آثارها السلبية، أو على الأقل إدارتها بطريقة تحقق أقصى الفوائد الممكنة، وتسهم في الحد من أشد الأضرار المحتملة. وقد أثبتت الأحداث الراهنة أن إدارة الأزمات مثل جائحة فيروس كورونا ليست عملية اختيارية، بل أمر حتمي لا يمكن تجاهله لبعده الإستراتيجي وأهميته العالية التي تفرضها إدارة الواقع الراهن، وما يمكن أن ينتج عن إهمال ذلك من معضلات وآثار سلبية بعيدة المدى قد تكون أكبر من الأزمة الأصلية، وتكمن أهمية سرعة إدارة الأزمة في طبيعة دورة حياة الأزمة السريعة، ابتداء من ميلادها وتصاعدها إلى القمة وحتى نهايتها وفرضها الأمر الواقع الجديد بعد الأزمة. ومن أهم أسباب الفشل في إدارة الأزمات بشكل عام ما يأتي: • وجود خلل في عملية التقييم والتقدير للأزمة وتفسير الظواهر المتصلة بها، وذلك من خلال الاعتماد على المشاعر العاطفية في تفسيرها أكثر من اتباع الطرق العقلية والعلمية. • عدم توافر معلومات كافية عن المشكلة ومعرفة دقيقة بخلفياتها. • الإهمال في إدارة الأزمة أو اختيار الحلول السهلة التي لا تتطلب كثيرا من الجهد والتفكير. • تقديم حلول مبنية على المعلومات المضللة أو الإشاعات. وتسبب هذه العوامل وغيرها معضلات متعددة في إدارة الأزمات، والتي سرعان ما تتكاثر حتى تصل إلى قمة الأزمة، حيث تخرج عن السيطرة، ويجب التعامل مع مثل هذه الشدائد والأزمات في الوقت المناسب، والسعي إلى استشرافها مبكرا قبل ظهورها حتى يسهل التحكم بها والتغلب على آثارها السلبية، ومن أهم المبادئ الأساسية في إدارة الأزمات التي يمكن الإفادة منها في مواجهة أزمة فيروس كورونا الحالية ما يأتي: • تحديد الأهداف الملحّة وترتيب الأولويات في اتخاذ القرارات العاجلة التي تعزز المكاسب وتقلل الخسائر لأقصى حد ممكن. • الاستجابة السريعة والمبادرة نحو تطبيق الخطط المعدة في إدارة الأزمة والسعي إلى استشراف المستقبل. • تنظيم القوى المختلفة المشاركة في مواجهة الأزمة، ويمكن ذلك من خلال رسم هيكل تنظيمي مؤقت وسريع للمشاركين في مواجهة الأزمة. • المشاركة والتعاون مع القيادات ذات العلاقة التي يمكن أن يكون لها دور إيجابي في التعامل مع الأزمة. • السعي إلى رفع الروح المعنوية أثناء مواجهة الأزمة، والحرص على إبعاد روح التشاؤم والسلبية. • التحكم في حركة الأزمة التصاعدية ووقف تدهورها والحرص على عزل عناصرها وتنظيمها. • تأمين الأفراد من الخوف الداخلي. • وجود المرونة والسعي للتفاوض المستمر مع أطراف الأزمة لتحقيق الإنجاز. ويمثل الأسلوب العلمي في مواجهة جائحة فيروس كورونا الجديد، المنهج الأكثر فاعلية في التغلب عليها وتوجيهها إلى الحلول المثلى لمجتمع الأزمة. ولا تكفي الحلول المبنية على الحماس أو الاجتهادات الفردية وحدها في التعامل مع الجائحة لصعوبتها وتشابك آثارها، بل يجب اتباع الأساليب العلمية في إدارة الأزمات، وتشجيع التفكير الابتكاري في مواجهة الفيروس، لضمان عدم تفشيه وتوسع آثاره السلبية التي يمكن أن تسبب أزمات أكبر ومشكلات أكثر من المشكلة الأولى. ومن أهم الخطوات العلمية المقترحة في مواجهة جائحة فيروس كورونا ما يأتي: أولا: الدراسة الأولية لأبعاد الأزمة. والتي تهدف إلى تحديد العوامل المشتركة، وأسباب تفشي الفيروس، والحد الذي وصل إليه الفيروس، وترتيب العوامل المشتركة والمؤثرة حسب خطورتها، وتحديد نقاط المواجهة. ثانيا: الدراسة التحليلية للأزمة. ويجب تحليل الأزمة وتقسيمها إلى أجزاء تتضمن التفرقة الواضحة بين الظواهر والأسباب، التأكد واليقين من الأسباب، دور المكون البشري ومدى تأثيره في ظهورها، دور المكون الطبيعي، عدد العناصر المشتركة في تفشي الفيروس، تحديد المرحلة التي وصلت إليها دورة حياة الأزمة، توقع طبيعة وتكاليف الأخطار الناتجة عن فيروس كورونا وأثر الوقت على انتشاره. ثالثا: التخطيط لمرحلة المواجهة والتعامل مع فيروس كورونا. وتقتضي خطة المواجهة التحرك في اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول: الاستعداد وذلك من خلال تحديد عدد من الإجراءات الاحترازية والوقائية الواجب اتخاذها عاجلا للحد من انتشار الفيروس، لحماية كل ما يحيط أو يتصل بمنطقة ومجال الأزمة، وتنسيق هذه الإجراءات وفقا لما يساعد في تقليل الأضرار ووقف الانهيار والتدهور، وكذلك من خلال تحديد نوع المساعدات التي يجب توافرها، والتعامل الأمثل مع المشاعر الإنسانية مثل الهلع والقلق والخوف، وتحديد نوع المعلومات ووقت صدورها. الاتجاه الثاني: التخطيط للتعامل مع فيروس كورونا كمحاولة وقف تفشيه، وتخفيف أضراره، والتغلب على الأزمة، وتوجيه الموقف إلى المسار الصحيح، ومعالجة الضغوط والانعكاسات النفسية والاجتماعية الناتجة عن الأزمة، وتطوير النشاط العلمي والبحثي في مواجهة هذا الفيروس، واستخدام أنظمة وقائية ضد الفيروس. حفظ الله بلادنا الغالية، ومملكتنا الحبيبة، وولاة أمرها، وشعبها، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يكشف الغمة عن الأمة، ويحمي جميع المسلمين في كل مكان من شر هذه الجائحة.