مع بداية أزمة كورونا تداول الناس رسائل وصورا ومقاطع مختلفة تعبر عن أخبار ونصائح وآراء وتفسيرات لما يحدث في الساحة المحلية والعالمية، من شرائح مختلفة في المجتمع. كانت هناك شرائح مجتمعية جميلة ومعتدلة تناولت الأزمة -لا سيما بعد تعليق الأعمال ومنع التجول- بعقلانية وأسلوب وسطي عبر الإرشادات الطبية والتوصيات العملية الإيجابية، والتوجيهات الروحانية بالدعاء والتضرع إلى الله. هناك شريحة مختلفة تماما، مارست غلوها المعهود بطريقة اللؤماء في الرقص على المآسي وكوارث البشرية المحزنة. رقصهم الوضيع بدأ دوليا، على غير المسلمين من خلال التشفي بالبلد المنكوب، الصين، ثم الغرب «الكافر» ثم انتقل محليا بتصويب أسلحتهم اللفظية والخطية باتجاه المواطنين الوسطيين والدعاة المعتدلين والشريحة المثقفة، ثم تجاوزت إلى الإسقاطات على أنشطة الدولة في توظيف المرأة والترفيه والسياحة والتراث وغيرها. رأينا كيف تحدث هؤلاء عن تعليق قدوم السياح إلى أرض الوطن بحكم أنهم «كفار ومشركون»، وكلامهم المسموم حول تعطيل الأعمال في المرافق العامة والخاصة بسبب كورونا، لما فيها من الاختلاط، بزعمهم، وتوقيف الأعمال الترفيهية والفنية لما فيها من المخالفات الشرعية، وفق رأيهم، ونسوا أن بيوت الله أيضا أقفلت وعُلقت العمرة وأُغلق الحرمان بعد صلاة العشاء، مع الأسف الشديد. كتب أحدهم: «... واختفى الفنانون والمطربون والتافهون والكتاب المارقون إلى غير رجعة غير مأسوف عليهم...»! وكتب آخر: «تذكُرون الأصوات التي تقول: ها قد عادت الحفلات الغنائية، ولم تحدث كارثة ولا عقوبة! أخبروها -الأصوات- أن الفيروسات لا يُكتب على ظهرها أرقام الذنوب، ولا تاريخ الاقتراف... إلخ ما قاله». رقصوا أيضا على قرار الحجر المنزلي: «تذكُرون الذي قال لنا يوما: *(الذي لا يعجبه الوضع يجلس في بيته)،* فما حالك وأنت تجلس في بيتك *مكرها، لوباء لا تراه بعينك*»! ومنها: «أرادوا تحطيم الأسرة فأرسل الله كورونا لتجتمع الأسرة من جديد»! لم ينس أولئك الكمامات من أدخلها في أفراحهم المأزومة فقالوا: «*تذكُرون الذي قال للناس يوما:* (كتمتونا)، (خلونا نعيش) اسألوه هل *(الكمَّامات) التي تلبسها تكتمُك أيضا»؟! والمصافحة كان لها نصيب: «عندما ترفض مصافحة غيرك حفاظا على صحتك فهي ثقافة، بينما ترفض مصافحة النساء تخلف»! المصانع أيضا لم تسلم منهم: «أوقف -كورونا- سموم المصانع وأعاد البشرية لعبادته بدلا من عبادة التكنولوجيا التي صارت للبشرية ربا من دون الأرباب». ولا أدري هل يريد هؤلاء تعطيل المصانع والعودة للرعي والفلاحة، ثم أين هي عبادة التكنولوجيا، وهل شاهدتم أحدا يصلي لجهاز أو يقدم قربانا لمنتج تقني؟! ومن الطرائف المضحكة المبكية أن تصل الشماتة بهم إلى أزمة محارم التواليت في أوروبا، ودعواهم أن الثقافة المحلية علمت الغرب استعمال التشطيف بالماء، متناسين مشروعية الاستجمار بالحجار والورق والخِرق كما قرره الفقهاء، رحمهم الله. شريحة الغلاة، لطالما انقضّت على الأحداث والأزمات -خصوصا الكبرى منها- واستثمارها أبشع استثمار وتجييرها لصالح أجنداتها المؤدلجة. سبق واستغلوا حرب الخليج2 عام 1990، وناكفت الدولة عندما استدعت جيوش الدول الصديقة لتحرير الكويت. وفي عام 2012 أثناء أزمة كورونا الشرق الأوسط التي أصابت ما يقارب الألف شخص في السعودية وتوفي منهم المئات، استغلتها نفس الشريحة بدعوى أنها عقوبة إلهية. وقبلها بسنة واحدة استغلت أحداث سيولجدة أقبح استغلال، متهمة أهلنا في جدة بالفسوق والمجون!. وفي أثناء هذه الممارسات اللاأخلاقية يأتي هذا الخبر: «النيابة العامة تأمر بالقبض على ثلاثة أشخاص استغلوا وسائل التواصل الاجتماعي في التأول على الله والإرجاف الديني بسبب فيروس كورونا، واختلاق مسببات عقابية وتأثيم آثم وإسقاطات تحريضية مُدلِّسة، تحت طائلة المساءلة الجزائية المشددة». شكرا للنيابة العامة.