المملكة من أوائل الدول التي استشعرت خطورة فيروس كورونا، ومن أوائل الدول التي بذلت جهودا استباقية واحترازية باحترافية عالية جدا للوقاية من الفيروس والحد من انتشاره في مرحلة مبكرة، حيث تعاملت مع المرض بمنتهى الشفافية والجدية من منطلق حرصها على مواطنيها وسلامتهم، وأن المواطن على رأس قائمة أولويات الدولة، لم تكن تلك الإجراءات وقتية، ولم تكن فردية، ولم تكن عفوية، وإنما كان خلفها تخطيط متقن من الجهات المعنية التي كانت تعمل وفق رؤية مشتركة شملت جهود الوقاية بكل الوسائل الممكنة، وجهود العلاج بأحدث ما وصل له الطب، وجهود توفير المعلومات على أعلى مستوى، والاستفادة من خبرات الدول التي تفشى فيها المرض قبل وصوله المملكة. المتأمل لتلك الجهود يُدرك أن المملكة اتخذت حزمةً من الإجراءات الاحترازية الاحترافية التي أشادت بها منظمة الصحة العالمية وبعض الدول المتقدمة، وتوجتها المملكة بجهودها برئاستها لاجتماع دول الG20 من منطلق دورها الإنساني ومكانتها الدولية، ومن منطلق توحيد الجهود الدولية في مكافحة المرض، جاءت تلك الجهود متدرجة حسب معطيات كل مرحلة، حيث بدأت بمنع التجمعات في الأماكن العامة والخاصة لما لها من خطورة في انتشار الفيروس، مروراً بإقفال المطاعم والاقتصار على تقديم الأطعمة والمشروبات وما في حكمها على الطلبات الخارجية فقط، وعدم السماح للزبائن بالجلوس على طاولات الخدمة المخصصة داخل المحلات، ثم انتقلت الدولة إلى تعليق الدراسة والعمل، واستخدام الوسائل التقنية المختلفة حفاظاً على سلامة الطلاب والموظفين، ومروراً بإغلاق الأسواق والمجمعات التجارية المغلقة والمفتوحة ما عدا الصيدليات والأنشطة التموينية الغذائية، وإغلاق المطارات وتعليق الرحلات الداخلية والخارجية، وتطبيق الحجر الصحي والعزل المنزلي لمدة 14 يوماً لكل القادمين من الخارج والمشتبه فيهم، مروراً بإغلاق المساجد وإيقاف صلاة الجمعة والجماعة باستثناء الحرمين الشريفين، حيث يُطبّق بهما إجراءات خاصة تحد من انتشار الأمراض بشكل عام على مدار العام، وصولاً إلى حظر التجول الجزئي. الدولة ممثلة في وزارة الصحة قامت بكل الإجراءات الضرورية، ووفرت كل الإمكانات اللازمة على أعلى مستوى جاعلة نصب عينيها كما هي عادتها الحفاظ على سلامة المواطن والمقيم، لكن الواقع يقول إن كل هذه الجهود لن تكتمل إلا بتعاون المواطن والمقيم بدوره على الوجه المطلوب، نعم المواطن الذي يجب أن يستشعر مسؤوليته الوطنية والإنسانية، ويدرك أنه حجر الأساس في منظومة مكافحة هذا المرض، وإذا لم يقم بدوره المطلوب لا سمح الله، فقد يكون سببا في إجهاض جهود الدولة، حيث إن جهود الدولة في كفة ودور المواطن في كفة أخرى، ولعل ما وصلت إليه إيطاليا من كارثة كان بسبب تجاهل المواطن وعدم قيامه بدوره على الوجه المطلوب. إن ما وصل إليه الحال في الفترة الحالية يعطي مؤشرا إيجابيا يعكس تجاوب المواطن بعد تكثيف الحملات الموجهة لزيادة الوعي بخطورة المرض وسرعة انتشاره، وأنه لا يوجد هناك من هو خارج طائلة المرض، لقد أصبح المواطن أكثر تجاوباً وإدراكاً لمسؤوليته كشريك مسؤول يلتزم بالتعليمات التي وضعتها الدولة بكل حرص وجدية ليُسهم بفعالية في حماية أسرته وأهله ومجتمعه ووطنه، ولا شك أن هذه الجهود التي تبذلها الدولة ويبذلها المواطن معاً سيكون لها نتائج إيجابية أكبر في حصر المرض ثم القضاء عليه بإذن الله. الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى مع الأخذ بالأسباب، وتعاون المواطن والمقيم، والحرص على التباعد الاجتماعي، والبقاء في المنازل، والالتزام بتعليمات الدولة بكل جدية، واستشعار الجميع لمسؤوليتهم، كل ذلك سيسهم في الحد من انتشار الفيروس والقضاء عليه بإذن الله. حفظ الله بلادنا وقيادتنا والعالم أجمع ورفع الله الغمة عن الأمة.