تلقينا في المملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا نبأ وفاة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله .. فكان نبأ أشبه بالصاعقة.. تذكرت معه بيت شعر قاله المتنبي في سالف الأيام: طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقُهُ أملا شرقتُ بالدمع حتى كاد يَشرَقُ بي انطلقت إلى التلفاز؛ لأتأكد من صحة النبأ، فوجدت أن الديوان الملكي كان قد أصدر بيانًا يؤكد فيه ذلك.. انتابتني مشاعر الحزن والصمت.. وتسمرت أمام التلفاز أتابع تفاصيل الحدث المؤلم، وأخذت أسترجع من خلال ما عُرض مواقف الفقيد الكبير في خدمة دينه، ووطنه، ومواطنيه.. كنت فيما مضى حين أستمع إلى الأمير الراحل أدقق في كل كلمة يقولها؛ لأن الكلمات تخرج منه، رحمه الله، بدقة متناهية، ووضوح مباشر.. كنت أحس بأن ذلك الرجل يعي فعلا ما يقول، ويدرك أهمية عمله الذي يقوم به خدمة لمليكه، ووطنه، ويُشرك المواطن معه في كل كبيرة وصغيرة، مؤكدًا أن المواطن هو رجل الأمن الأول لخبرته بأهمية دور المواطن في المحافظة على أمن بلاده.. حكمته وحنكته جعلتا منه الدرع الواقي الذي صد كل محاولات التخريب، والسيف البتار الذي قطع كل عضو خبيث حاقد، والقلب الأبوي الذي أصلح كثيرًا ممن عاد إلى جادة الصواب، ودرب الرشاد.. ومع حزمه وحسمه إلا أنه كان مثلا في السخاء والعطاء ومداواة جراح الناس، وتلبية احتياجاتهم.. كرس حياته الطويلة، وعمره الشريف في المحافظة على وطنه.. كان مجاهدًا بحق، أخذ على عاتقه أمانة حب الوطن والإخلاص له، فرسم خططًا ناجعة، وأرسى منارات علمية متقدمة، وأوجد مراكز بحثية مهمة.. بل وتجاوز كل ذلك ليعمل على راحة ملايين الحجاج الذين يأتون من الداخل والخارج يؤدون ركنًا من أركان الإسلام في يسر وسهولة، وأمن وطمأنينة في مكةالمكرمة التي آثر أن يُصلى عليه في حرمها، ويدفن في ثراها، مسجلة له مواقف البطولة الشامخة، ومحطات الإنسانية الراسخة.. كان منظرًا محزنًا منظر وصول الجثمان إلى أرض الوطن، والصلاة عليه في المسجد الحرام.. وفي تلك الليلة الحزينة انطلقت إلى التقويم؛ لأتأكد من وقت أذان العشاء في مدينتي، حرصًا مني على الصلاة التي ستعقبها صلاة الميت الغائب على الفقيد الكبير .. وبعد أن تأكدت من التوقيت، وجدت في أسفل ورقة التقويم عبارة هزَّت وجداني " أمن الوطن مسؤولية الجميع " يا للمصادفة !! لقد سجل لك التاريخ يا نايف بن عبدالعزيز في يوم رحيلك شهادة الفخر، ووسام العز، وهو ما حرصت على ترسيخه في أذهان أبنائك وبناتك من مسؤولي الوطن ومواطنيه طوال حياتك، وأنت رجل الأمن الأول بأن الأمن مسؤولية الجميع!! رحمك الله، وأسكنك الفردوس الأعلى في الجنة.. وأدام على بلادنا أمنها وأمانها في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، أمده الله بعونه وتوفيقه.. وآزره بولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.. الرجل الإداري الناجح الذي ضرب أروع الأمثلة في الوفاء، وهو الذي منَّ الله عليه بالحكمة وسداد الرأي.. صاحب التجربة الكبيرة في ملازمة إخوانه الملوك من قبل، وهو الحريص على تدوين تاريخهم وفاء لهم، وهو الوفاء الذي سيمنحه له شعب المملكة العربية السعودية النبيل.. الشعب الذي بايع ولاة أمره على الطاعة والوفاء، والعمل من أجل رفعة البلاد وتقدمها، والمحافظة على أمنها، والذي سيواصله وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود صاحب الخبرة الطويلة في العمل الأمني، رجل المهام الحاسمة في صراحة تعطي الثقة، ووضوح يبني التواصل، مع كرم الأخلاق النابع من منبع الرجولة التي غرسها فيهم الملك المؤسس لهذا الكيان الكبير المغفور له، بإذن الله، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.