يبدو أن مصطلح النسوية سيحتل مكانه في ساحة صراعاتنا الداخلية، ليحل بديلا للعلمانية والليبرالية. ولست هنا بصدد تعريفها أو تأييدها أو الدفاع عنها، وإنما بصدد الوقوف ضد تعميم المصطلح أو إبهامه، بجعله مبهما بطريقة مقصودة، والذي تسبب -أقصد التعميم لأي مصطلح دون تحديد لمراده وإحضاره بجميع حمولاته المعرفية- في زيادة الخلافات وسوء ظن الناس بعضهم ببعض. وتركيزي سيكون على من امتطاه ونشره، مع علمه بأنه مصطلح جديد دون توضيح لمراده، فهذا الشخص إما أنه جاهل في التعاطي مع المصطلحات ومعرفة خبايا الأمور وردود الأفعال حينما يضعها عائمة، أو أنه يقصد الإثارة وصنع شهرة لنفسه، أو أنه يقصد بضعة أشخاص فيأتي بمصطلح يدخل الآلاف فيه، وهذه آفة عند كل الأطياف عموما، ومنتشرة في الإعلام، وللأسف، أو أنه يتظاهر بالانفتاح مع أنه راديكالي مستتر. فلا أرى احتمالا يخرج عن هذه الأربعة، وكلها سيئة بحقه. وادعاؤه أن القصد معروف ولا حاجة لذكره فدعوى مردودة، فكم من المثقفين لا يعرفه فكيف بغيرهم، خاصة انه جاء بصيغة الفعوية كالإسلاموية ذات المضمون السلبي. فلو قلنا الثقافوية، فتوحي للسامع أنه مصطلح يتعرض لدخلاء على الثقافة أو يوظفونها، والبيئوية أي دخلاء على البيئة أو يوظفونها، وهكذا. والنسوية تعطي انطباعا بأنها سيئة وفق هذه القراءة لهذه الصيغة من الوهلة الأولى، ولذا سأخمّن مقصده. فإن كان يقصد المثلية الجنسية، كما هي تصريحات بعضهم، ولا أقصد الحقوق أو المساواة، فعليه أن يبين ذلك، خاصة أن استخدامه لها خطأ منهجي، فالدعوة للمثلية لا علاقة لها بالمرأة وحقوقها، حتى وإن كانت تخرج من النسوية، فتلك تسمى«النسوية المثلية»، فهي منهج خاص بها. والتعميم يؤدي إلى تمييع مقصده هو وجعله غير واضح، فاستفادت المثلية بذلك لأنه لم يشر إليها مباشرة، وتضررت الحقوق التي يقول إنه معها، لأنه أشركها وجمعها مع مصطلح يحوي المثلية. وإن كان يقصد الاستقلال التام للبنت عن الأسرة، فعليه أن يوضح ذلك بأمثلة. فإن كان يقصد خروجها بالكامل من منزل ذويها والاستقلال الكامل بنفسها بلا عذر أو هروبها، فهذا خطأ حتى في حق الابن، فلماذا تُفرد هي بمصطلح خاص؟ فهي مسألة أخلاقية عامة لكل منهما. وإن كان يقصد المساواة التامة بينهما، فغالب أوجه المساواة مسائل خلافية من الناحية الشرعية والثقافية، فلماذا يصفها بهذا الوصف المشبّع بالسلبية، لا بد من التوضيح فكفانا ضبابية وصراعا.