في الوطن العربي لم يعد الوضع يحتمل مزيدا من الاضطراب والمشكلات، فوق ما تتحمله الشعوب من الاستنزاف والدمار والتشريد والفقر. كما لم يعد المشاهد للوضع العربي يتلقى غير صور الويلات والعذابات المتلاحقة، تحت ضغط أنظمة فاسدة في المحيط الإقليمي، شرّعت الفساد عبر أنظمتها، ونشرت الفوضى، وعمدت لابتزاز الشعوب، عبر منظومة ميليشياوية مكنتها من مفاصل الحكم، منتهزة ظروفا معينة لتمدها بالسلاح والتدريب والدعم اللوجستي بكل أشكاله: ماديا ومعنويا، ولم تعد قادرة على التخفي وستر أعمالها الخبيثة في نخر مؤسسات الدولة، والاستيلاء على الثروات والمقدرات، ومصادرتها لصالح مشروعها البذيء، فقد طفح الكيل بشعوب سحقت لسنين طوال تحت مشروع الطائفية البغيضة، فخرجت تتنفس الحياة أملا في استعادة ترابها، وإرثها، وثرواتها، وسيادتها المختطفة عبر عملاء لم يوفروا حتى لقمة العيش، أو أبسط مقومات الحياة الكريمة. إنما أوغلوا في إذلال الشعوب بالوصاية، والنهب، والمصادرة، وصولا إلى اعتبار شرفاء الأوطان غرباء، وجعل الكرامة مطلبا عزيز المنال في تلك الأوطان التي تحكمها ميليشيات تتغذى على الطائفية والمحاصصة الحزبية واقتسام السلطات والثروات، وتردد بكل بجاحة فوق أعناق الناس فخرها بالانتماء الخارجي، وولاءها لنظام إيران الطائفي وسلطاته الفاشية، حتى ضاقت عنهم أسماع الناس ذرعا مثلما ضاقت صدورهم، فخرج البسطاء والعامة وطبقات المجتمع تلعن فلول الطائفية، وتعلن بملء أفواهها «إيران برّا برّا.»، عازمة على إنهاء مأساة التنابذ بدفن كل عناصر الحزبية الفاسدة دون استثناء «كلن يعني كلن»، ورغم ما تلاقيه تلك الحركات الشعبية السلمية من قمع وظلم إلا أن المؤمل أن تحظى بتعاطف المجتمع الدولي، في سبيل استعادة دولها المنكوبة تحت وصاية الملالي، وميليشياتها الإرهابية. ومن السخيف جدا ما تعبر عنه زعامات تلك الأحزاب، من التهديد والاستعلاء على أبناء الشعوب التي تطالب بحقوقها المشروعة في العيش الكريم، وبالأخص ما عبّر عنه زعيم ميليشيا «حزب الله» في خطاباته المكررة من تهديد بأمر أنصاره بالنزول للشارع وقلب الموازين! في لغة فئوية عنصرية لا تحترم وحدة أبناء البلد الواحد، فيا ترى من أنصاره؟ إن كانوا لبنانيين فقد خرجوا مبكرين يهتفون ضد الكل، مطالبين بإزاحة الجميع، بما فيهم حضرة الزعيم! لقد اكتشفوا كذبة استمرت زمنا تحت غطاء «المقاومة» مدركين أنها مقاومة زرعت في الداخل، ضد الحرية، والوحدة، والتسامح، ورخاء الأوطان، ومن أجل العمالة لمصلحة منظمات متطرفة، ودول مارقة، وليست ضد العدو كما يزعمون! وإن كانوا غير ذلك فلم يعد الوطن بعد فقد الثقة عشّ الحمام، ولن يطيق فيه الشرفاء فتات الذل من بقايا موائد اللئام! فقد آن للدخيل أن يرحل، وللعميل أن ينزوي في مزبلة التاريخ دون رجعة، وسيبقى كل خيط مهترئ ليس من قطعة النسيج نشازا مشوها، لن يعبر عين المخيط مرة أخرى، ولن يصبح جزءا مكوّنا في نسج أي مستقبل. فلا تولد دولة من رحم الميليشيا والعصابات المسلحة! فمن ساحة بغداد الخضراء إلى ضواحي بيروت هبت الجماهير غاضبة ضد كتائب سليماني وفيالق الموت، التي لم تترك لونا من ألوان التجييش العنصري، والتهييج الطائفي، ورماد الدمار، وزعزعة الاستقرار، في أسوأ مشروع لنشر الكراهية والطائفية، وإسقاط مشروع الدولة، وتحويلها إلى منظومات تخريبية، وأحزاب مسلحة، لبسط السيطرة والنفوذ، وخلق التبعية بفرض الواقع. وفي المثل قيل «إنك لا تجني من الشوك العنب»، فها هي نواتج استنزاف موارد أبناء الشعب الإيراني وصرفها لصالح مشاريع الكراهية في المنطقة تنطلق شرارتها من شوارع طهران، تنديدا بمصادرة إرادة الشعب، واستنزاف ثرواته، وتهديد مستقبله، بخلق النزاعات الإقليمية والدولية، وتكليف بسطاء الناس بدفع ثمن هذه المجازفات الخرقاء، وتحمّل نتائج مراهقات الخميني السياسية، وحكومته المتهالكة يوما بعد يوم، والتي قامت على أنقاض الفساد والفوضى والفكر الثوري المضمحلّ. ولو غابت الأصوات قسرا تحت وطأة العنف، واختفى هتاف الحناجر خلف طوابير الجند، وأكوام السلاح، وكممت الأفواه في ظلمات السجون، فإن إرادة الشعوب لا تنكسر مهما يواجهها من صور القهر، وأصناف العذاب، وسيشرق غد يحمل لهذا الشعب طموحاته في قيادة تؤمن بالتعايش والتعاون، ونبذ العدائية، وتسقط زمرة الطغيان الخمينية إلى هاوية الخزي، تحمل بين ردائها البائس عار الدسائس والمؤامرات والفعل الخبيث.