جرائم القتل التي يزعم أن شابا مصريا ارتكبها في قرية كترمايا بإقليم الخروب في لبنان لا يمكن أن تبرر قيام الأهالي بالحكم على المتهم وتنفيذ حكمهم الشعبي فيه بالشارع العام و صلبه على عمود كهرباء لولا الضعف الواضح للدولة اللبنانية وهشاشة سيطرتها على الأراضي اللبنانية ، لأن الأهالي انتزعوا الشاب من يدي الشرطة أثناء ما قيل إنه تمثيل لجرائمه. هذه الحادثة ، وغيرها من حوادث متواترة في لبنان، تبين قوة الأمر الواقع المتعدية على قوة الدولة، وهي تعطي الرسالة الخطأ عن هذا البلد وعن حكومته ومستقبل الاستثمارات فيه ، وليس الأمر بحاجة لحادثة كتر مايا للبرهان على تآكل الدولة اللبنانية ، فالميليشيات اللبنانية والفلسطينية تفرض سيطرتها على الأرض بمعزل عن الدولة ، وكلما أرادت حكومة هذا البلد انتزاع مزيد من السلطة وفرضها على الأرض تواجه بالضرب على رأسها من قوى الأمر الواقع. والخلل كما هو واضح هو في قيادات لبنان السياسية التي تؤثر مصالحها السياسية على مصالح بلدها . فهي رفضت دعم حكومة استقلالية في لبنان ، بل ونالت من محاولات في هذا السبيل تتعثر منذ عام 2005 ، وعملت على إضعاف السيادة اللبنانية تحقيقا لمصالح قوى خارجية . وانتزاع مزيد من المناطق اللبنانية لسلطة القانون بيدها ، وهو افتئات منها على الدولة ، هو في ظاهره طلب للعدالة من مجرم مفترض ، لكنه في جوهره طلب للمساواة مع المناطق اللبنانية الأخرى التي تحقق أمنها الذاتي بنفسها ، لأن الدولة في مفهوم السكان لا تحميهم لا من الجرائم الفردية ولا من الميليشيات السياسية. إنه مفهوم الأمن الذاتي الذي يتعزز في لبنان بسبب النهش المستمر في سيادة الدولة وإضعاف سلطتها لصالح الأغراض السياسية المحلية والإقليمية .