هل يجوز دخول بيوت المناهج من غير أبوابها؟ ربّما. الموضوع هو السؤال التصديعي: لماذا كلّما تصفّحنا المجلات والمواقع العلمية، أحسسنا بنكد الاكتشافات والاختراعات، جرّاء المسافات التي تفصل العالم العربي عن مواكب التقدم العلمي عالميّاً؟ الجواب الرصين هو أن مراكز البحث العلمي في جلّ بلداننا غير متناسبة مع مئات ملايين النفوس، وغير متجاوبة مع العقد الثالث من قرننا. السؤال المترتب هو: لماذا لا يستثمر العرب في العلوم والتقانات الفائقة؟ الإجابة النزيهة: لأن أغلبية البلدان العربية فقيرة أو مفقَّرة بالغزو والاحتلال والحروب الأهلية والفتن الداخلية والبينيّة المدبّرة. استتباعاً: الكوارث المختلفة عبر المؤامرات، تدمّر التربية والتعليم، تفاقم الأميّة، تزلزل الاقتصاد، في حين أن مؤسسات البحث العلمي نهمة تبتلع المليارات و«قزقزة اللبّ» عندها بالملايين. التحويلة الاستطرادية هي أن القاعدة التعليمية الهشّة في تلك الدول تنتج سلبيات تزيد الأوضاع وضاعةً والأحوال أهوالاً. تغدو أنظمة التعليم تعمل من دون أجر لمصلحة القوى العالمية المتقدمة، التي في مقدمة أهدافها استغلال ثروات البلدان ومضاعفة فقرها. المؤسسات التعليمية في العالم الثالث يتخرّج في جامعاتها الكثير من النوابغ والمتفوقين، فأين يذهبون؟ العباقرة تستقطبهم البلدان الجاذبة للمتميزين، وغالباً ما تقتنصهم الجامعات العالمية بالمنح والامتيازات بعد إنهاء الدراسات العليا. خذ هذه الطرفة المقيتة: عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، أدركت دول أوروبا الغربية أن البلد يعجّ بالأدمغة العلمية والتقانية، فأعلنت فرنسا والنمسا وألمانيا وغيرها، بصراحة كلّها وقاحة: «أهلاً بالمهاجرين الأوكرانيين المتخصصين. رواتب عالية مع سكن وإقامة دائمة للكفاءات في الرياضيّات، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، تقانة النانو». فرنسا أضافت من دون خجل: «الأولوية للنساء». لك أن تعجب وتسأل: هل عاصمة النور والعطور والزهور والحبور و«الهوت كوتور»، تنوي تحسين النسل؟ على هذا النحو يجب صرف الأذهان إلى مخ القضية: لكي تتطوّر البلدان، يجب تطوير أنظمة التعليم، ولكي تتطور أنظمة التعليم، يجب إحداث تنمية شاملة. إذا كان البلد يعاني هجرة العقول، فإن هذه الآفة استنزاف للطاقات. كيف يمكن إعلاء صروح البحث العلمي بالاستثمار في العلوم، إذا كان الناتج القومي الإجمالي «على البلاطة»، والميزانية العامة «صكّاً بلا رصيد»، وتبدأ حسابات العام بتسارع عدّاد المديونية العامّة وفوائدها المركّبة؟ هل نكرر طرفة جبنة الغرويير؟ يقال: «إذا ازدادت الجبنة ازدادت الثقوب، وإذا ازدادت الثقوب نقصت الجبنة». نظام التعليم هو الأساس، فإذا اختل الأساس تعذر إعلاء البناء وصار خطراً جسيماً. لزوم ما يلزم: النتيجة المنسيّة: بأيّ فهم وعلم أهملت أمّة «اقرأ» محو الأميّة؟ نقلا عن الخليج الاماراتية