وزارة الثقافة ممثلة في برنامج جدة التاريخية تقدم عملا متقنا يبهج النفس ومن خلال زيارة خاطفة لجدة التاريخية ستعاين هذا العمل على أرض الواقع، فسابقا كانت منطقة البلد تستقبلك بالروائح الكريهة من كل مكان وخاصة بحيرة الأربعين التي كانت تعد المصدر الأكبر للعفن، أما اليوم فأصبحت نفس البحيرة مقصدا للزوار. وما دفعني لكتابة هذه السطور هو مروري بشارع حائل بجوار بحيرة الأربعين، وتعجبت من تغير حالها. وعودة لجدة التاريخية أول ملاحظة في اعتقادي سيلاحظها أي زائر دون تدقيق هي النظافة، فمنذ أن تسلمتها وزارة الثقافة أصبحت كما أزعم أنها أنظف مكان عام في المملكة. عدوى وزارة الثقافة في الإتقان أتمنى أن تصيب كافة الوزارات والهيئات، ومن جماليات هذه الوزارة هو أن الإنجاز يتحدث عن نفسه. ومن خلال لقاء جمع عدد من الإعلاميين بالمشرف العام على برنامج جدة التاريخية المهندس عبدالعزيز العيسي كانت الملاحظة الأكبر هو قلة تواصلهم مع الإعلام، فرد ببساطة نحن نعمل والإنجازات تتحدث عن نفسها. والحقيقة رغم تأكيده على أن اللقاء ودي ولا يرغب بالنشر، أجد نفسي مجبرا على ذكر ما أعتقد أنه يجوز لي نشره، الرجل كان حاضرا بهدوء وثقة مبنية على إحاطته بما يعمل، فكان مستقبلا لكافة الأسئلة الناعمة والملغمة والمباشرة برحابة صدر، بل مجيبا عليها بإقناع ومانح زملاءه الحضور الكافي لإظهار إمكانياتهم. ومن ضمن الأسئلة التي طرحت كان عن التأخير في العمل وهو الظاهر للجميع، ولكن الإجابة كانت أروع من السؤال لأنهم في البرنامج حريصون على أن العمل لا يتسبب في إغلاق جدة التاريخية بل تستمر في استقطاب زائريها وإضافة على ذلك تنظيم العديد من الفعاليات لزيادة عدد الزوار مع الاستمرار في العمل. ومن النقاط الرائعة التي أوضحها أن مخططاتهم ليست ثابتة بحل تحدث كل عام لتتواكب مع المتغيرات التي يجدونها في المنطقة، فهم لم يغفلوا مهمتهم الأساسية في الحفاظ على المنطقة خاصة بعد انضمامها لقائمة التراث العالمي في منظمة اليونسكو وكذلك البحث عن آثار المنطقة. ومن مميزات العمل والتخطيط في جدة التاريخية أن القائمين عليها لم يكتفوا بالحلول الهندسية والدراسات النظرية بل استشاروا أهل المنطقة. ومن ضمن العمل المتقن لوزارة الثقافة لتطوير جدة التاريخية هو التفاعل مع كل حدث في مدينة جدة، ومنها كأس العالم للأندية وللفورميلا ومهرجان البحر الأحمر السينمائي، وهو ما يجسد فعلا أن الشراكة مجتمعية. ولا يمكن إغفال ما قدمه البرنامج من عمل رائع من خلال تنظيم أول نسخة من دبلوم فنون البناء التقليدي حتى لا يكون عملهم مع الحجر فقط. أيضا هناك دعم مالي وفني لكل مبادر داخل حدود المشروع. ومن مميزات جدة التاريخية في الوقت الراهن عدم وجود البسطات العشوائية واختفاء مظاهر التسول وتواجد أمني مكثف. ومن وجهة نظر شخصية إذا استمر العمل بنفس الكيفية والفكر فسنرى شيئا يبهج الخاطر. *المدير الإقليمي للمنطقة الغربية نقلا عن الرياض