كل غياب هو حضور لضده«، أزواج غرباء تحت سقف واحد، أصدقاء أعداء أمام مجتمع متباعد، إخوان خبثاء يطعنون الظهر بالخناجر، ومن هنا تأتي غربة األشخاص حينما يظهرون بما يرضي المجتمع وليس بحقيقتهم، ثم يصمتون عن األمور التي يجب الحديث عنها. فالتجمل االجتماعي أسهل بكثير من تحمل أعباء حل المشكالت أو إنهائها، ألسباب نفسية واجتماعية وثقافية. خوف الناس من القلق يجعلهم في حالة تأهب واستعداد لتقبل الايحاءات والخيالات ، حتى وإن كانت ضربا من الخرافة ليتسنى لهم السيطرة على ألم الفراق أو حقيقة من أمامهم أو لوم الناس، فالقلق ناتج عن عدم تقبل المجتمع لهم وتصديقهم للماورائيات - ما وراء الطبيعة - ويخيل لهم أنهم يكبحون جماح الخوف من النبذ االجتماعي. فهذه اإليحاءات تسمى في علم النفس باالستبطان Introspection مفادها أن الحياة النفسية الداخلية ال يعرفها وال يشعر بها إال من يعيشها بذاتها، فيظن الذي يعيش األلم أو الحقد وكذلك الخيانة هو المتألم الا جدوى من التفسير أو الحل. وقد تكون عملية شاقة لفهم النفس لانها تخالف النزعة الطبيعية؛ فالفكر بالعادة بلألمور الخارجية لا النفسية الداخلية، فيكون الانسان على نفس مركب حياته الذي اعتاد عليه لا عجب أن تصمت زوجة إذا قام زوجها بضربها، أو ابن مورس عليه التعنيف من قبل أخيه الاكبر، فالافضل أن يكون صامتا أمام المجتمع وبما تعود عليه. والخرافة قد يأتي بها الخاسرون من المشعوذين وتجار الوهم للبائسين ببيعهم الاوهام عن طريق السحر والشعوذة أو من العلوم الزائفة Pseudoscience كالطاقة والبرمجيات اللغوية بحيث يشعر اإلانسان بالرضى والتخدير الموقت للمشاكل لا حلها. من الناحية الاجتماعية فإن غرور الاشخاص يمنعهم من الاعتراف بتعاستهم أنهم يسيرون في طريق منحدرة، ولا بأس من القادم فالحياة لديهم صورة مجتمعية عليهم أن يعيشوها كما كانت، ولكن المتنفس لهم هو حياة الخفاء للعيش كما يرضون أنفسهم مع أشخاص سريين أو هروبهم إلى المسكرات والمخدرات، حيث ترفع لديهم الاستحقاق بالسعادة المطلوبة، علل اليابانيون أنه لا يوجد طريق طويل عندما تكون برفقة صديق، كما بررت هذا الامر العشيقة أنجيال التي سرقت زوج غريس في فيلم هوب جاب Gap Hope قالت غريس: كيف تبررين سرقتك لزوجي؟ ردت أنجيال العشيقة: كنا 3 تعساء وأصبح الان شخص واحد. فهربت الزوجة المكلومة التي رفضت الطلاق من زوجها وهي تبكي وتعلم أنها غير سعيدة مع زوج تحبه وهو »لا يحب أن يراها تعيسة معه« وهي ترفض فكرة الرحيل. ألم الخوف من الفشل فشل آخر، وال سيما أن الخوف يعطل التفكير ويشل القدرة على حسن التصرف، فالهروب أسهل الحلول. أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل بل وهم المعرفة، فخ الوهم يقع فيه المثقفون تحت إطار التجمل االجتماعي، بحيث إن البعض يظهر ذاته بالصورة األنيقة حتى لو كلفه األمر أن يستأجر قلما آخر، ويشتري قصيدة غيره وربما تكون لهم جرائم في الحقوق الفكرية، بنظرة ميكافلية لا بأس بالوسيلة طالما أن الغاية هي الظهور في المقدمة ويكون المعا في الظهيرة أو الليل. أخيرا: عار على الحر أن يحيا بأقنعة وأن يعيش ولو يوما بوجهين نقلا عن مكة