كلما سمعت ما تعلنه نزاهة هذه الأيام من مبالغ هائلة تستردها من قوائم طويلة للمختلسين والمرتشين والفاسدين الذين رتعوا بالمال العام سنوات طويلة عادت بي الذاكرة إلى الوراء ليس إلى زمن بعيد لكن قبل سنوات لا تزيد عن العشر حين تأسس صندوق إبراء الذمة تحت رعاية وزارة المالية وبأمر المسؤولين فيها آنذاك، ويظهر والله أعلم أنه جاء بناء على طلب لصوص المال العام الذين اختلسوا ما استطاعوا اختلاسه في شبابهم أو في مرحلة من العمر فلما أثروا وزاد ثراؤهم عن الحاجة هبط عليهم التقى والعفاف وأعلنوا رغبتهم برد بعض ما فاض عن حاجتهم و بطريقة آمنة ومحترمة ومقدرة ومشروعة أيضا ، بلغ ما أعاد هؤلاء اللصوص عن طيب خاطر أكثر من ربع مليار ريال مما جعل أحد موظفي الصندوق يهتز فرحا بالمبلغ وينشر في صحيفة الرياض ثناء على هؤلاء اللصوص ويقول ( إن البنك يولي أهمية للحساب ويسعى من خلاله لترسيخ قيم النزاهة بين أفراد المجتمع مما يساهم في بناء مجتمع نقي يسعى للبناء ويأخذ بيد أفراده نحو الأفضلية . الرياض 11/ 5/1435ه ) استفز هذا الكلام صاحبكم فكتب في جريدتكم هذه في 2/4/2014م الموافق 21/5/1435ه .يقول : . ( الصندوق منشأه وفكرته خصوصية من خصوصياتنا لأن العالم يبحث عن من لا يدفع من ماله وكسب يده ما يوجبه عليه قانون الضرائب التي تذهب إلى بيت المال ويقيم المحاكم لمن يقصر في واجبه الضريبي من ماله الخاص ، أما من يختلس من المال العام فإن السجن ينتظره مهما كان مكانه ، ولا يحتاج أن يتبرع المختلسون برد ما اختلسوا وتوضع لهم التسهيلات ويوصفون بأنهم يقومون بترسيخ قيم النزاهة بين أفراد المجتمع . أما نحن فقد كان فينا من الرقة والرحمة والعطف والرعاية لمن يختلس المال العام أن نضع لذلك قانونا ونشرع أبواب التسامح أمامه ونفتح له الحسابات حتى لا يشعر بشيء من وخز الضمير الذي عاد إلى رشده بعد أن امتلأت خزائنه من فيض ما أخذ ، ولا يمكن أن يكون المجتمع بحاجة أن يعلمه الناطق باسم الصندوق القيم الأخلاقية التي يمثلها هذا العمل ولن يصدق أحد أن قيم العفة يرسخها عمل هؤلاء ولا يقبل المجتمع النظيف لأن يكون نقاؤه وصلاحه من هذا النوع ، والمجتمعات النقية لا تلتفت إلى هؤلاء الذين لجئوا للاحتيال لأمر الدنيا في بداية حياتهم ثم لأمر الدين في نهايتها، الذي يُعَلم المجتمع النقاء لا يضع الأموال المنهوبة في ظلام الليل ، حين لا يُعرف من وضع المال اليوم كما لم يعرف من أخذ المال أمس. المجتمع الذي يأخذ بيد أفراده نحو الفضيلة ليس من يسلك هذا الطريق لكن من يكون دأبه وسلوكه وطريقه الشفافية والوضوح والبحث عن المكسب الحلال في الأخذ والعطاء والأمانة في كل ما وضع بين يديه ، بناء الفضيلة في نفوس الناس يحتاج إلى طريق مستقيم واضح المعالم تضيء جوانبه الأمانة والحق ألخ ...) ونحمد الله أننا عشنا حتى رأينا ما تفعله نزاهة اليوم لمطاردة المختلسين والمرتشين والفاسدين وجلبهم للعدالة وإنقاذ المال العام منهم ذلك هو الذي يعلم الفضيلة وهو الذي يساهم ببناء مجتمع نقي يتصف بالأمانة والعفاف وهو الذي يرسخ قيم النزاهة بين أفراد المجتمع. نزاهة ترد من المال العام إلى خزينة الدولة عشرات المليارات مما اختلسه للصوص والمرتشون ومن أفسد الطمع ضمائرهم وأمانتهم وليس ربع مليار كما ذكر مندوب صندوق إبراء الذمة ، ومطاردة هؤلاء وكشفهم ومحاسبتهم هي التي تعلم احترام الحقوق العامة، وما تقوم به نزاهة هو ما يجب أن يكون قد حدث قبل أربعين عاما مضت حين بدأ تدفق المال الكثير والانفاق على المشاريع الضخمة ومعه بدأ الفساد والرشوة والاختلاس حتى صار هو القاعدة والعفة والأمانة هي الشذوذ . وأصبح يتردد على ألسنة الناس المثل الذي يُنسب إلى أكبر فاسد في التاريخ (أكلت إذن الجمل فاسألوا من أكل الجمل كله). ولم يحاسب في ذلك الوقت من أكل إذن الجمل ومن أكل الجمل كله. وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان قال لن ينجو أي شخص اتهم بالفساد وعمل ، والأمل أن يكون بأثر رجعي ينطبق على كل من اختلس منذ ثلاثين عاما فالحقوق العامة والخاصة لا تسقط بالتقادم. نقلا عن صحيفة مكة وعن الكاتب