هل لاحظت أن نسبة كبيرة ممن يقعون في الاكتئاب هم من أصحاب الذكاء والطموح العالي؟!، ربما يكون سبب ذلك هو الفارق الشاسع أحياناً بين طموحهم والواقع.. وربما يعود لرغبة الكثيرين منهم في أن يكونوا مثاليين في كل شيء، حتى أن بعضهم يصل حد القسوة مع نفسه وعدم التسامح مع أخطائها وهفواتها، مشترطاً الكمال في كل شيء، ورفض الفشل، وهذا أمر غير طبيعي بالتأكيد. . مشكلة هؤلاء أنهم ينسون طوال الوقت أنهم بشر، فتجدهم يقيدون أنفسهم بشروط قاسية طلباً لكمال لن ينالوه ومثالية لن يصلوا اليها أبداً لأنها ليست من صفات البشر أصلاً، إنهم ينشدون المثالية في أشكالهم، وأعمالهم، وعلاقاتهم وفي كل شيء.. إنها شخصيات مجبولة على تضخيم أدق الفجوات في جميع جوانب حياتهم، ووضع أنفسهم في سباق خاسر مع الزمن ومع الأقران!! . لا ترى (برينيه براون) أستاذة الاجتماع بجامعة هيوستن، أن عدم الكمال عيب يجب الخجل منه؛ بل تنظر إليه كنعمة من المهم تفهمها والتعامل معها بعقلاني، وتقول في كتابها الموسوم (نعمة عدم الكمال): «أنت بخير طالما اعترفت بضعفك وعدم كمالك.. إن الحياة الصادقة مع النفس هي الحياة الأكثر سعادة، لأنك حين تختار أن تكون إنساناً عرضة للعيوب والنقص فإنك تسمح لنفسك بتفاعل إنساني مهم للتعايش مع محيطك».. وتضيف: «لا يمكنك أن تزدهر عاطفيًا وجسديًا واجتماعيًا وفكريًا بمفردك في الحياة، لأن عقولنا ومشاعرنا وعواطفنا مرتبطة ومتصلة بالناس أكثر من ارتباطها بنا. . الأصالة هي مجموعة من الخيارات التي يتعين علينا القيام بها كل يوم، الأمر يتعلق باختيار أن نظهر بصورتنا الحقيقية وأن نكون صادقين وغير مُتصنعين، أن نتفهم الفرق بين العمل الدؤوب والمستمر وبين توهم الكمال، هذا أمر بالغ الحساسية، الاعتقاد الواهم بالمثالية اعتقاد خطير ومعيق عن النجاح، وطريق حتمي إلى الاكتئاب والقلق والتعثر في الحياة.. من الخطأ الفادح تخدير وخداع مشاعرنا، عندما نخدّر المشاعر المؤلمة فإننا أيضاً نخدّر المشاعر الإيجابية في الوقت نفسه.. . أهم معايير الحياة الصادقة هي التخلي عن فكرة الكمال، والتوقف عن الخوف من النقص والخطأ، والتخلي بالتالي عن المقارنات المرهقة؛ وعن القلق المصاحب لها.. إذا كنت ترغب في أن تشعر بمتعة الحياة حقًا فكن شجاعًا، فالشيء المخيف حقاً هو أن تعيش حياة زائفة وغير صادقة. نحن نعيش معظم يومنا افتراضياً، قم بإلغاء متابعة كل من يدّعون المثالية في حياتهم.. ألغِ كل الحسابات التي ترفع النزعة الاستهلاكية لديك، فهؤلاء مجرد معلنين يتلاعبون بغرائزك ولا يعيشون حياة حقيقية، بمجرد التحرر من متابعة هؤلاء ستشعر بفارق هائل، وسيزداد هذا الشعور الجميل إن قمت بالتحرر أيضاً من فكرة مشاركة الآخرين كل شيء يخصك (طعام، مناسبة، ملابس، سفر الخ ). . الصدق مع النفس من أهم معايير النزاهة الشخصية والتوازن النفسي والتصالح مع الذات.. عوّد نفسك على العيش بشكل حقيقي، ولا تصنع من نفسك بالونة جوفاء، فكر وتحدث وتصرف بصدق وتلقائية ولا ترهق روحك بملاحقة مثالية لم يخلقها الله فيك. نقلا عن المدينة مرسل من الكاتب