من المهم أن يتقبل الإنسان الخطأ غير المتعمد على نفسه أو على غيره.. من المهم أن يعي الشخص أن لا شيء كامل... لاشيء مثالي ..لا شيء تاماً في هذه الحياة سوى الله ،، فأولئك الذين يبحثون عن المثالية في منازلهم .. أبنائهم .. أعمالهم .. أشكالهم .. موظفيهم ... علاقاتهم .. دراساتهم .. أفعالهم .. لا يحصلون إلا على الإحباطات المتكررة. أعرف صديقة تشتكي من كل خادمة تدخل منزلها وحين أنصت إلى شكواها أكتشف أن سبب مأساتها الأزلية مع الخدم هي بحثها الدائم عن المثالية .. إنها تراقب كل صغيرة وكبيرة في عمل خادمتها بدءاً من نظراتها وحتى طريقة أكلها وشربها ومشيتها...!! لا تجني صديقتي من وراء ذلك كله سوى المتاعب المتتالية حتى أصيبت بالضغط والسكر وهي في ريعان شبابها.. تريد الطعام في وقت محدد وتنهار أعصابها لو شعرت باختلال جدولها اليومي.. تريد طريقة غسل الملابس بآلية معينة لا تحيد عنها مهما كانت الظروف ... حتى في وظيفتها تكاد ترسم الحروف رسماً وتعيش التوتر بأنواعه .. تقف عند كل كلمة تسمعها من الآخر لتبحث عن مدلولها واحتمالات معناها ... حين تقصر في أي جانب مع أبنائها تصاب بالاكتئاب ؛ ويكاد تأنيب الضمير أن يقضي عليها ؛ وعندما تضطر أن تأتي إلى عملها متأخرة تصاب بالخجل والانطواء لإحساسها بالذنب فلا تنجز في ذاك اليوم عملها من شدة الضيق والكدر.. المثالية تؤدي إلى الظلم.. نعم إنها تؤدي إلى الظلم .. تعالوا نتمعن المعنى العملي للمثالية ... وأتمنى أن لا يفهم من حديثي هذا أنني أدعو إلى الاهمال والاستهتار .. حديثنا يخص المثالية المرضية " بفتح الميم مما يعني المرض". راقبوا أولئك الباحثين عن المثالية .. فذلك المدير الذي يسعى أن يقوم موظفوه بالعمل على أكمل وجه.. راقبه وهو يعاقب أحدهم على أقل تقصير أو تأخير أو تأجيل؛ ماذا يحدث ..؟ راقب الزوجة المثالية التي تطلب في علاقتها بزوجها أن تكون مثالية؛ إنها تقارنه بصورة كاملة رسمتها في خيالها؛ ثم تكتشف على أرض الواقع اختلاف الأصل عن الصورة ..!! يالها من صدمة..!! ماذا يحدث في مشاعرها حين يقصر زوجها بأدنى الأمور ..؟ بل إنها لا تعرف ما هو الأدنى من الأمور .. بل هي ليس لديها ما يسمى بالأدنى .. إنها تنظر دائماً للأفضل .. للأعلى .. لا تقبل بالأدنى مطلقاً .. وبالطبع العكس صحيح فقد يحدث الأمر مع الزوج بحيث يطلب المثالية في زوجته .. انظر إلى الأب المثالي الذي يرغب أن يكون أبناؤه مثاليون.. أي ظلم يعيشون تحت سقف هذا الأب.. أغلبهم يصابون بأمراض نفسية مزمنة أقلها القلق والتوتر وعدم الثقة بالنفس .. نعم فالنجاح المستمر يتحول لدى البعض إلى عادة وبالتالي يصبح نقمة على صاحبه الباحث عن الكمال.. الخطاب الديني المتشدد والمغالي ما هو إلا دعوة إلى المثالية المطلقة والكمال ؛ مما يجعل هذا النوع من الخطابات تحديداً بعيداً عن الواقع وغير ممكن لأن الاختلاف والنقص من سنن الكون.. وقد أثبتت الدراسات أن المرضى النفسيين هم أكثر الناس بحثاً عن المثالية.. المثالية في كل شيء، علينا أن نؤمن بمبدأ النقص والتلون والتغيير والمرونة في شخصنا وفي الآخرين من أجل أن نعيش حياة ممتعة قليلة التوتر والقلق والأمراض.. و.. الظلم.