آداب التعامل والسلوكيات علم له شأنه وقد أنشئت له العديد من الكليات في أنحاء العالم تحت مسمى (علم الإتيكيت) وهو ما يشمل جل سلوكيات الفرد تجاه المجتمع ومن يتعدى هذه السلوكيات يعد خرقا للأخلاق. ولله الحمد، ديننا وعاداتنا هما من أسس لهذا العلم قبل هؤلاء بحقب سحيقة في عمق تاريخ البشرية، ولعل ذلك واضحا في كتاب بعنوان "خوارم المروءة" وهو كتاب يرصد كل تفصيلة دقيقة في علم الأخلاق وفي تصرفات الفرد في المجتمع حتى بات أن من يكسر خليقة من هذه الخلائق لا يعتد بشهادته، كما أن المدققين في الرواية للأحاديث الشريفة يرصدون هذه التفاصيل، فإن بدا لهم أي خرق صغير لهذه القيم استبعدت روايته، ذلك أن البناء النفسي والإنساني جزء لا يتجزأ من أفعاله ومن تصرفاته. إن أشد ما يؤرق العربي - وهي سمة يتفرد بها - الخوف من اللوم وكذلك الدَّين فهما ما يقض مضجعه؛ ولذا كانت المجتمعات مستقيمة ومنضبطة قبل سلطة الضبط القانوني الوضعي نفسه، فالمجتمعات كان لها سلطتها شديدة التأثير وخاصة فيما هو متعارف عليه بالمروءة. ومن المعروف أن مصطلح المروءة هو من إحدى وسائل الضبط الاجتماعي في حياة الفرد العربي وهي الوسيلة المثلى لهذا الضبط والتي توارثناها في تكوين الجين العربي ذاته مهما طرأت عليه من طفوحات مستوفدة وهذا ما يجب أن يكون. في تعريف المروءة كمصطلح جاء أنها: "كمال الإنسان من صدق اللسان، واحتمال عثرات الغير، وبذل الإحسان إلى أهل الزمان، وكف الأذى عن الجيران. وهي التخلق بأخلاق أمثاله وأقرانه في لبسه ومشيه، وحركاته وسكناته، وسائر صفاته".. كما جاء في فتح الباقي وكتاب شرح النخبة. فالمروءة لها معنيان: الإنسانية أو كمال الرجولية، أو الرجولية الكاملة؛ وكمال الرجولية ينتظم من الأخلاق الحميدة، والآداب السامية، فالمروءة إذاً هي جماع مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، فمن يفوته جانب من هذه المكارم يفوته جانب من العناصر التي تتكون منها المروءة. يقول سعيد بن حميد في كتاب خوارم المروءة لأبي عبيدة مشهور.. ويقول مشهور في تعاطيه لهذا المعنى: "إن المروءة هي اللفظة الأولى للإنسانية في لغتنا، وهي تحمل كل معاني الإنسانية منذ عصر الجاهلية إلى اليوم، ولكن ترجمتها إلى لغة عصرنا بكلمة إنسانية شيء آخر؛ لأن هذه الترجمة تنقل المروءة من معناها القومي إلى معناها العالمي، والمروءة إنسانية العرب وحدهم، أما الإنسانية فمروءة الأمم كاملة، لأنها مروءة الإنسان من حيث هو إنسان مجرداً من اللون والعنصر وكل اعتبار خارجي".. وإذا كانت المروءة تعني الإنسانية بالمفهوم العالمي، فإن لها معاني مختلفة أكثر عمقا وأكثر التزاما عند العرب، حيث إن التفريط في أمر من أمور المروءة أو بند من بنودها يعد خرقا لمفهوم الكرامة والشرف؛ والشرف هو اللبنة الأولى في بناء الشخصية العربية، ثم إننا الآن نحيا في مجتمع عالمي إنساني، والإنسانية هي عنوان العصر إذا ما تجاوزنا عدم تطبيقها! ومع كل ما تقدم من معالم وسمات الشخصية العربية والتي سبقت علم (الإتيكيت) العالمي كما أسلفنا، فلماذا لا نحافظ على هذا الإرث الإنساني العظيم الذي أكده ديننا الحنيف مع ظهور ما يسمى ب(وسائل التواصل الاجتماعي) وعالم الإنترنت؟! عالم جديد على التكوين المعرفي حديث العهد بنا، ولذا كان يجب أن نتعامل معه بكل ما اكتسبناه من إرث معرفي فلا ننحيه جانبا كوننا نعتقد أننا في عصر جديد هو عصر العولمة! ومن هذه الآداب الحفاظ على الملكية الفكرية فمن يتعداها يعتبر سطوا وسرقة، والسارق في عرفنا خارج عن العرف ولذا هو مارق وهو ما يجعل الشخص في دائرة العيب والنبذ، فالفضاء الإلكتروني ليس مشاعا ولا في غفلة عن المارقين ممن يتسللون إليه وكأنهم في غرف مغلقة. أما آداب المحادثات فيجب على المتحدث أن يستأذن لأن الطرف الثاني قد يكون في اجتماع أو ظروف غير ملائمة لا يراها المتحدث. كما أن هناك ظاهرة مقيتة وهي نشر خصوصيات الآخرين وهذا غير لائق بمن يريد أن يتحلى بالأخلاق فحياة الآخرين ليست مباحة والدين والأخلاق لا يبيحان هذا الأمر إلا بإذن من صاحبه، وإن تجرأ أحد على ذلك فيجب علينا عدم التعاطي والتعليق والنشر فوالله إنها مزلق من مزالق الحرمات التي قد تغيب عنا. أما عما يسمى بالقروبات، فيجب أن تتبع أعراف المجالس العربية بكل شموخها وهيبتها، فالدخول في مجموعة هو بمثابة الدخول إلى مجلس يجب عليك أن تضع نفسك في المكان الذي تريد أن تكون عليه وأولها الاستئذان والدخول بالسلام وعدم مقاطعة الحديث حتى ينتهي ومراعاة الألفاظ والقيم والسمو المعرفي في الحديث والاستئذان عند الخروج وكل ما يحتمه عليك عرف المجلس العربي، فالمجموعات ليست أناسا على قارعة الطريق تدخل وتخرج بلا استئذان ومحبة، آداب المجالس لها موسوعات من العلم والمعرفة يجب أن نتوخى الحذر لأنها الفرد خلف الجدار فلا يرى منه إلا ما يقول وبالتالي قد تتكون صورة مشوهة عنه وهو غير ذلك. ومن آداب التواصل الاجتماعي ألا ندلل الشخص ونعظمه أكثر من حقه، أو أن نقلل من شأن عظيم يجب احترامه فلكل مقام مقال. ومن هذه الآداب أيضا عدم المبالغة في علامات الترقيم وتكرارها مثل علامات التعجب والتنقيط وما إلى ذلك، فما هي إلا مفردات لغة يجب احترامها. إن صفحة التواصل ما هي إلا صفحة في كتاب أنت تدونه يكون صورتك وأسلوبك، وتبقى الصورة الذهنية في آخر الأمر عنك. نقلا عن صحيفة الرياض