ما كان ينبغي لنا شخصنة ظهور الدكتور عائض القرني المتلفز في ليوان المديفر. قضيتنا كانت وما زالت مع ما يسمى (الصحوة) كحراك اجتماعي مغاير بلبوس دينية. من حق الدكتور عائض القرني وغيره (الاعتراف والتراجع والندم والتكفير) إن كان صادقًا فيما يقول، ومن حق المتأذين والمتضررين والضحايا المطالبة بحقوقهم أو التنازل عنها والغفران. هذا على المستويات الشخصية خارج الدائرة الجمعية، التي تلتقي في وطن واحد، له أطره الأمنية، وقيمه وأخلاقه وطموحاته البنائية والنهضوية، التي تضررت بسبب السطوة الصحوية الظلامية طيلة عقود أربعة. * أفرز اللقاء إياه ثلاث مسائل: الأولى تتعلق بالقرني نفسه، ومحاولته الظهور بمظهر البريء مما اقترفته الصحوة غير المباركة في حق الوطن والمواطنين. هذا أمر يخصه، والكل يعرف أدواره في الحراك الحزبي الذي كان يصول ويجول بكل فوقية وعنجهية. الثانية ما جاء على لسانه من اعترافات- كما يقول- من جملة أخطاء الصحوة..! وليتنا ننتبه إلى التهوين من جرائم وفظائع الصحوة التي مست حياة الناس، وهددت أمنهم، وتسببت في سفك الدماء، وهجّرت الخيريات إلى أصقاع وبقاع لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وثبت بالدليل القاطع، وباعترافات القرني، أنه ومَن هم أكبر منه كانت لهم صلاتهم مع قوى دولية معادية لبلدهم ومجتمعهم، فهم يقبضون الملايين من قطر، ويصطفون مع زعامات الإخوان المفسدين، ويحيكون المؤامرات ضدنا في المنتجعات التركية. هو في هذه المسألة لم يقل كل شيء، بل حاول التخفيف والتهوين، ومن عاش مرحلة الصحوة الظلامية هذه واكتوى بنارها يعرف كل شيء، ولا يحتاج إلى اعترافات من عائض القرني ولا من غيره. أما المسألة الثالثة - وهي المهمة في نظري - فهي اعتذاراته التي تجاوزت شخصه إلى المجموع الحركي الحزبي نفسه، الذي كان يسمي نفسه (الصحوة) لخداع الناس وتضليلهم، وفرض الوصاية عليهم باسم الدين ومظاهر التدين الزائف. هذا أمر لا يملكه عائض القرني؛ لأنه في هذه اللعبة. الكبار الذين كانوا يقفون وراء حراك التغيير المتناغم مع المشروع الثوري للإخوان المفسدين نعرف أين هم، وهم الذين كانوا يحركون عائض ومئات وآلاف المنخرطين في العملية، حتى ولو كان البعض منهم يخدم الحركة بسذاجة وجهل مع حسن نية أحيانًا. * عندما شاهدت الحلقة سألت نفسي قائلًا: لو أن الخُلّص من هذا المجتمع الطيب أراد مواجهة القرني وشيوخه الذين أتوا به لاعبًا في هذا الميدان، مطالبين بحقوقهم التي انتهكت على أيديهم؛ ماذا سوف يقولون..؟ * إن أول حق منتهك من قِبل حركة الصحوة ضد الوطن وأهله كان: (تعطيل العقل الجمعي).. نعم. تولى (الصحاينة) في هذا الحراك وتحت غطاء الدعوة المفترى عليها تجهيل الناس بواقعهم، وفصلهم عن مستقبلهم، وإرجاعهم إلى عصور ظلامية لم يكن فيها تقنيات ولا اختراعات ولا ما يدعو للعمل والتنمية والبناء. توقف العقل المفكّر مفسحًا المجال للعقل المكفّر. ولهذا برز خطاب دعوي للجهاد بمفاهيم فقهية خاصة بأصحابها، حتى رأينا كيف سيطرت الحركة على التعليم والجمعيات الخيرية وغيرها، وكيف كانت تنظم (المخيمات الدعوية) لتدريب الشباب على حروب المدن والتفجيرات، وهذه حلقة عملية وردت في خطط سيد قطب، تنطلق من النظري إلى العملي.. من التكفيري إلى التفجيري. وكيف تجرأ شبان خرجوا من كنف هذا الحراك الحزبي الصحوي للتدخل بالقوة في محافل خاصة الناس وعامتهم، والاعتراض على مناشط ثقافية، وتكفير الأعيان والتحريض عليهم، بل السعي لفرض لبس ومظهر يخالف اللبس الوطني.. وثنية الوطن.. بهدف بسط الوصاية على المجتمع بالقوة، ومن ثم فجروا ودمروا وقتلوا في بلادهم قبل غيرها. استهدفوا رجال الأمن الساهرين على أمن الوطن والمواطنين، ونفرهم شيوخهم إلى أكثر من بقعة في قارات العالم؛ ليَقتلوا ويُقتلوا بدعوى الجهاد المزعوم. والهدف كما قال الهالك عبد الله عزام في لقاء مذاع أيام الفتنة في أفغانستان: جهاد العرب هنا للتدريب حتى يعودوا لبلدانهم جاهزين..! نعم، قال هذا، وقال غيره أكثر من هذا، ولكن آذان الناس وقتها كانت موقوفة على خطب رنانة، وأشرطة فتنية كانت تسعى لاستعداء الدولة على المجتمع، وتكريه المجتمع في الدولة. كل هذا شهدناه وعشناه ونعرفه، ولا نحتاج لاعترافات من عائض القرني الذي كان ينبغي أن يقول لنا مَن جنّده هو الآخر..؟ مثلما تم تجنيد عشرات آلاف الشبان للقيام بالشغب والتشويش، وتكفير أمراء ووزراء ومسؤولين ومثقفين، وتنفيذ عمليات جس نبض لقوة الدولة وولاء المجتمع، بدأت بعملية جهيمان في الحرم، ولم تتوقف، حتى جاء (الملك المظفر سلمان بن عبد العزيز)، وولي عهده الأمين (الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز) - أمدهما الله بنصره وتوفيقه -. * الصحوي لم يلتحق بالحركة الحزبية الصحوية؛ فينفر للجهاد المزعوم في أفغانستان وغيرها، ويكفّر الناس، ويستعدي الدولة على مواطنيها، ويُكرّه المجتمع في دولته، ويسعى لعزل شعبه عن بقية شعوب العالم، وينشر فكر الجهل والظلام والتطرف والتخلف، ويقبض من دول وقوى معادية لبلده.. لم يفعل ذلك ولا يفعله ولن يفعله إلا إنسان (معطل عقله) بفعل الصحوة غير المباركة، ومن هو واقع تحت وصاية جبرية ظلامية، قليل من يستطيع الفكاك منها. * قال هذا وكتبه بتصرف واحد فقط من المتأذين والمتضررين، الذين عُلمنوا وزُندقوا وفُسّقوا وكُفّروا، وحُرّض عليهم، وهُدّدوا في حياتهم ومعاشهم. ومع ذلك ظلوا رافضين لوصاية الظلاميين، أمناء لقناعاتهم، وثابتين - بحمد الله - على مبادئهم وأخلاقهم وولائهم لدولتهم ووطنهم. نقلا عن الجزيرة