في محاضرة تشرفت بإلقائها قبل أيام في منتدى الرياض الثقافي في الجمعية السعودية للثقافة والفنون عن "الهبة الديموغرافية في المملكة وانعكاساتها الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية"، أثير موضوع العنوسة إلى جانب موضوعات جدلية أخرى؛ لارتباطها بالتركيب العمري والحالة الزواجية حسب العمر. واستوقفني الاختلاف الكبير بين الحضور في تعريف العنوسة ومدى مناسبة استخدام مصطلح "العنوسة"، فبعضهم يرى أن لا غضاضة في استخدام مصطلح "العنوسة" لعدم وجود مصطلح بديل له، في حين فضل بعضهم استخدام عبارة "التأخر عن الزواج" للدلالة على "العنوسة". أما بشأن تعريف العنوسة وتحديدها بعمر معين، فقد اختلفت الآراء، بين من يرى أن سن 30 سنة هي السن التي تبدأ بعدها مرحلة العنوسة لدى النساء، في حين أشار بعضهم إلى أن سن 40 سنة هي السن التي تبدأ عندها العنوسة، وقليل منهم رأى عدم وجود عنوسة بين النساء، لأن المرأة يمكن أن تتزوج في أي سن. وعلى الرغم من وجود كلمة "عانس" في بعض معاجم اللغة، فإنني أفضل استخدام مصطلح "التأخر عن الزواج". على أي حال، جرى حوار حول مدى وجود عنوسة للرجال، فمن بين وجهات النظر المثيرة في هذا السياق، ليس ما إذا كانت هناك عنوسة لدى الرجل، بل إن عنوسة الرجل أشد خطرا من عنوسة المرأة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعتقد إحدى السيدات أن بعض الرجال والإعلاميين يضخمون مشكلة العنوسة ويؤكدون وجودها من أجل تبرير "التعدد"! وفي إطار هذا الحديث، تشير إحصاءات الهيئة العامة للإحصاء، إلى أن نسبة العنوسة تصل إلى 10 في المائة بين النساء اللاتي تجاوزن سن 32 سنة، أي بما يعادل 230 ألف امرأة سعودية. ولا أدري ما المبرر الذي جعل الهيئة العامة للإحصاء تحدد سن العنوسة بعمر 32 سنة على الرغم من أن الأوسع تداولا بين المهتمين هو عمر 30 سنة؟ وعلى أي حال، عند مقارنة الإحصاءات في الأعوام الماضية، وبالتحديد مقارنة بيانات تعداد السكان والمساكن لعام 2010 ببيانات المسح الديموغرافي لعام 2016، يتبين أن عدد النساء المتأخرات عن الزواج بعد سن 30 سنة ارتفع بدرجة ملحوظة، وكذلك نسبتهن إلى إجمالي النساء في هذه السن، بل كادت النسبة تتضاعف ما بين 2010 و2016. ولا شك أن هذه الزيادة تستدعي التوقف والدراسة من قبل الجهات المسؤولة. في الختام، أدعو المهتمين من الإعلاميين والكتاب وكذلك الأكاديميين في مجال العلوم الاجتماعية إلى قراءة الأرقام بدقة واهتمام، فأعداد العنوسة ليست "مليونا ونصف المليون امرأة" كما يتردد في الإعلام، وبهذا لا تصدق على ذلك المقولة الشعبية "كلام العاقل يطيح نصفه"، بل يطيح ثلاثة أرباعه، ليصبح قريبا من الإحصاءات المعلنة من قبل الهيئة العامة للإحصاء. وفي الوقت نفسه، أدعو الجهات المسؤولة إلى الالتفات للزيادة الملحوظة في أعداد العنوسة ومعدلاتها، للتحقق من دقة الإحصاءات من جهة، ومن جهة أخرى إيجاد الحلول لهذه المشكلة الاجتماعية التي لها أبعاد إنسانية واجتماعية كبيرة لدى النساء المعنيات خصوصا ولدى جميع أفراد المجتمع عموما. وأقصد بذلك التوصية بدراسة أسباب التأخر عن الزواج خاصة التغيرات الاجتماعية الأخيرة. نقلا عن الاقتصادية