اعلنت الحكومة السعودية عن تحويل شركة «أرامكو» إلى شركة مساهمة في خطوة أولى لطرحها للاكتتاب العام كما هو مخطط له من قبل. وبهذا الإعلان، فإن السعودية تدحض جميع الشكوك الموجهة إلى إمكانية الطرح العام. وبلغ رأس مال الشركة 60 مليار ريال مقسمة على 200 مليار سهم. وكما هو مصرح به، فإن 5% من هذه الأسهم سوف تُطرح للاكتتاب وهو ما يساوي مليار سهم. وتبلغ القيمة السوقية ل«أرامكو» –حسب التقييم السعودي- 2 تريليون دولار، وعلى ذلك فإن قيمة السهم الواحد ستعادل خمسين دولاراً (ما يقارب 188 ريالاً سعودياً). هذا الإعلان خطوة للأمام بلا أدنى شك نحو تنفيذ الطرح، وفي إعلانه بداية السنة الميلادية رسالة واضحة بأن المملكة ماضية نحو ما خططت له، إلا أن الكثير من التساؤلات صاحبت هذا الإعلان. أول هذه التساؤلات يتعلق بالسوق التي ستُطرح فيها الشركة، والخيارات حتى هذا الوقت لا تزال مفتوحة بين 3 خيارات رئيسية دون أولوية لخيار على الآخر. الخيار الأول يتضمن إحدى 3 أسواق عالمية هي أسواق لندن ونيويورك وهونغ كونغ، والخيار الثاني هو سوق الأسهم السعودية «تداول»، أما الخيار الثالث فهو أن يتم البيع دون طرح الأسهم للاكتتاب، كأن يتم البيع للصين مثلاً. وفي كل خيار من هذه الخيارات ميزات للحكومة السعودية، فيتميز بيعها للصين عن طرحها للاكتتاب العام بأن البيع سيكون بالسعر المحدد من الحكومة السعودية، ويتميز طرحها بالأسواق العالمية عن البيع للصين بأنه لن يتسم بأبعاد سياسية استراتيجية. كما قد تُفضَّل «تداول» على غيرها لما للمملكة من سيطرة عليها وبما سيضيفه هذا الاكتتاب من قوة لسوق الأسهم السعودية، ويفضل غيرها عليها بأن أموال الاكتتاب ستكون سيولة من خارج السعودية، مما يجعلها قيمة إضافية اقتصادية للمملكة بعكس لو كان الاكتتاب في «تداول»، حينها سيكون معظم السيولة من المملكة نفسها. أما التساؤل الثاني فيتعلق بمدى رغبة المملكة في التحكم بهذا الاكتتاب بعد طرحه. ويتضمن نظام الشركة الجديد بنداً يعطي المملكة الحق في استعادة الأسهم المبيعة من خلال إعادة شرائها من المساهمين بالسعر الذي تحدده الحكومة السعودية، ويشترط النظام أن يوافق على الأقل 75% من المستثمرين غير الحكوميين على إعادة الشراء حتى يكون للمملكة حق الشراء دون الرجوع للمساهمين. ويطرح هذا النظام تساؤلاً عن إمكانية موافقة الأسواق العالمية على هذا الشرط، لا سيما أن المملكة حينها ستتمكن من إعادة شراء جميع الأسهم المطروحة في سوق الأسهم. ومما يوضح أن المملكة لا ترغب في التخلي عن الهيمنة على الشركة، أن النظام يعطي لها حق اختيار 6 من أصل 11 من أعضاء مجلس الإدارة، بمن فيهم رئيس المجلس ونائبه. ويتم اختيار الخمسة الباقين من خلال تصويت المساهمين المالكين لأكثر من 0.1%. ونظاماً، فإن لهذه الهيمنة ما يبررها، فالمملكة حينها ستكون المالك الأكبر بنسبة 95%. أما واقعياً، فيتضح أن المملكة لا تريد وضع القوة في يد المستثمرين، لما في «أرامكو» من أهمية جوهرية للاقتصاد السعودي. وأجابت الحكومة السعودية بعد إقرار هذا النظام على تساؤل ثالث. ويتعلق هذا التساؤل بنشاطات شركة «أرامكو» المطروحة للاكتتاب. وتم من خلال هذا النظام فصل عمليات «أرامكو» التشغيلية الأصلية، عن العمليات المساندة للدولة، والتي تشمل بناء مرافق للدولة كالمستشفيات أو الملاعب أو غيرها، كما تم الفصل المالي بين «أرامكو» وما كان يقدَّم من دعم حكومي على المشتقات النفطية، لتكون بذلك «أرامكو» مستقلة بنشاطها التجاري عن نشاطها الحكومي. اكتتاب «أرامكو» أحد أهم الأحداث الاقتصادية في عام 2018 وهو الاكتتاب الأكبر تاريخياً، وهو سيسبب -بالتأكيد- انتعاشاً للسوق المطروح فيها، وهو ما يجعل القائمين على الأسواق العالمية يتسابقون إليه. ولا شك أنه سيرفع من مستوى السوق السعودية إذا طُرح فيها. بل إن جميع التسهيلات الماضية لدخول المستثمرين الأجانب لسوق الأسهم السعودية، تكاد لن تساوي شيئاً بما سيحققه طرح «أرامكو» في السوق السعودية. والسيولة التي ستدخل إلى المملكة في حال طرح الاكتتاب في الأسواق العالمية ستدخل إليها من باب آخر في حال تم الطرح في «تداول». ومهما كانت السيطرة السعودية على حيثيات هذا الاكتتاب ونتائجه في الأسواق العالمية، فإن مستوى هذه السيطرة سيكون أضعافاً في السوق السعودية بلا أدنى شك. نقلا عن الشرق الاوسط