كثيرون من العوام الجهلة؛ حتى من غير المتأسلمين، يعتقدون أن النهج الليبرالي في الحياة يختلف مع دين الإسلام. وهذا قول لا علاقة له بفحوى الليبرالية. فالليبرالية لا علاقة لها بمعتقدات الإنسان الدينية، ولا بعلاقته بربه، لكنها تهتم بتنظيم علاقات الآخرين الدنيوية بعضهم ببعض، وتضمن أن يُمارس الإنسان حريته الفردية طالما أنها لا تنتهك القانون ولا حرية الآخرين، وتنتهي حرية الفرد حين تبدأ حرية الآخر، والقانون هو من يحدد حدود الحريات، والسلطة التشريعية هي المعنية بإصدار القوانين، والسلطات التنفيذية هي المعنية بتنفيذها على الجميع، متحرية العدالة في التطبيق؛ وهذا يتماهى مع مقاصد شريعة الإسلام، ولا يتضاد معها. والسؤال الذي يثيره السياق: لماذا يصر المتأسلمون، والمتأثرون بهم، أن النهج الليبرالي يصطدم بالإسلام؟.. السبب يعود إلى سيطرة الحركات المتأسلمة على الساحة الاجتماعية، فيطرحون في خطابهم الديني أن كل من يختلف مع حركات الإسلام السياسي فهو يختلف مع الإسلام. وهذا غير صحيح على الإطلاق، فالذي تختلف معه الليبرالية، بل والعدالة الاجتماعية بجميع تفاصيلها، هي (الكهنوتية)، وهي أن يتحول الإسلام إلى سلطة سياسية تعسفية، تقوم من خلال (رجال الدين) على تنظيم علاقات الإنسان بالإنسان في دنياه، وتضع من نفسها (وصية) عليه، وهذه الكهنوتية هي التي تدعو إليها الجماعات الإسلامية السياسية، كجماعة الإخوان المسلمين. وغني عن القول أن الإسلام يرفض الكهنوتية، وعصمة الانسان ذكراً كان أو أنثى؛ فالإمام مالك كان يقول: كلنا راد ومردود عليه إلا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؛ وهذا يعني أن حرية الرأي ودحض الرأي مكفولة في الإسلام ولا يحتكرها واعظ دون الآخرين. لذلك فإن مثل هؤلاء الكهنة المتأسلمين لا يدافعون في الحقيقة عن الدين، وإنما يدافعون عن مصالحهم الخاصة. وقد دأبت جماعات التأسلم السياسي على إقصاء كل الحركات والمناهج الفكرية التي تختلف معها، انطلاقاً من أنها تختلف مع الإسلام لا مع طرحهم السياسي، وتطرح في السياق نفسه أن الإسلام دين وأيضاً سياسة، وأن رجل الدين هو بمثابة (الكاهن الكنسي) في القرون الوسطى، فهو من له دون غيره تحديد ما يجوز وما لا يجوز، ليس في القضايا الدينية التعبدية، وإنما في المسائل الاجتماعية والسياسية أيضاً. ومن يقرأ تاريخ فجر الإسلام سيجد بوضوح أن ثوابت الإسلام التي لا تتغير ولا تتبدل في كل الأماكن والأزمان، هي فقط الأمور التعبدية، وما يتعلق بها، أما الأمور الدنيوية، وبالذات ما يتعلق منها بشؤون المجتمع وشؤون الاقتصاد والسياسة، فهي تدور مع المصلحة الدنيوية حيث دارت. وليس ثمة نهج دنيوي ثبت نجاحه في العصر الحالي مثل النهج (الليبرالي)، فإذا كانت الدنيويات وليس الدينيات تدور مع المصلحة والمنافع حيث دارت، فإن الواقع على الارض يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المنهج الليبرالي هو من جعل دول العالم الغربية والشرقية تتفوق وتصل إلى ما وصلت إليه، سواء من حيث تحقيق الأمن والرفاهية والرخاء الاقتصادي والتعايش بين مكونات شعوبها، أو في تحفيز الفرد للعطاء والإبداع، وكذلك توفير القوة والمنعة التي تُسيج بها أوطانها. لذلك فإن الحقيقة المُثبتة بالتجربة والبرهان تقول: (الليبرالية هي الحل). نقلا عن صحيفة الجزيرة