في السنوات الأخيرة، بدأت الأوساط الاستثمارية حول العالم تتنبه إلى بروز ظاهرة سلبية تتمثل في الانخفاض التدريجي للعوائد على جميع الاستثمارات (من أسهم وسندات واستثمارات بديلة.. إلخ) تزامناً مع انخفاض أسعار الفائدة على معظم العملات الدولية لمستويات تاريخية وهذا طبيعي. وفي المملكة، لاحظنا جميعاً الأخطاء الجوهرية التي تسبب بها برنامج «نطاقات» من تفاقم وتشويه للخلل الهيكلي الذي يعاني منه أساساً سوق العمل السعودي بسبب انتشار السعودة «الوهمية» والتي تم استغلالها أسوأ استغلال من قبل القطاع الخاص بسبب التركيز على «الكم» وليس»النوع» بمباركة من جهات حكومية مع الأسف الشديد. كنتيجة لذلك كان من المتوقع أن نشاهد كلاً من المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يشتكون الآن من العجوزات الإكتوارية في تقاريرهم المالية بسبب اختلال ميزان المصروفات مع الاشتراكات (خصوصاً وأن الدولة - حفظها الله- تعتمد منذ عدة سنوات على القطاع الخاص في خلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي)، وأصبح يطرح في وسائل الإعلام المختلفة تعديل أنظمة التقاعد والتأمينات من خلال رفع سن التقاعد أو إلغاء التقاعد المبكر أو تعديل معادلة احتساب الراتب التقاعدي أو غيرها من المبادرات. نحن ندرك أن انخفاض العوائد على الاستثمارات هي من العوامل الخارجية التي يصعب التحكم بها، لكن الخطورة في أننا ندرك جيداً أيضاً أن تطبيق برنامج «نطاقات» بشكله المترهل حالياً إلى جانب شبه توقف القطاع الحكومي عن التوظيف واعتماده على القطاع الخاص في ذلك من أهم الأسباب لمشكلة العجوزات الإكتوارية، وكنت أتمنى لو أن هاتين المؤسستين تحددان أسباب المشكلة الحقيقية وجهاً لوجه أمام وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية بعيداً عن المجاملات لإيجاد الحلول الناجعة بدلاً من تقديم مقترحات تهدف لتبرير قرارات حكومية يدفع ثمنها الحلقة الأضعف في هذه المعادلة ألا وهم «المشتركون» آخذين في الاعتبار الانتقادات العنيفة التي تعرض لها برنامج «نطاقات» منذ تطبيقه عام 2011م وحتى يومنا هذا من غالبية الأخوة المحللين. الغريب أن وزارة العمل أدركت اليوم أن تطبيق برنامج «نطاقات» كانت له نتائج كارثية على سوق العمل السعودية ولهذا ستبدأ قريباً بحل المشكلة من خلال تطبيق برنامج «نطاقات الموزون» لتحسين نوعية الاشتراكات الجديدة وهذا بالطبع سيكون رائعا جداً للتأمينات الاجتماعية لكن يبدو أنها لن تنتظر نتائج البرنامج الجديد بعد إصلاح الخطأ، وفي المقابل نجد معالي وزير الخدمة المدنية يتحدث في وسائل الإعلام عن اعتماد برنامج التحول الوطني على «التقاعد المبكر» في تنفيذ أهداف البرنامج بينما نجد مؤسسة التقاعد تتحدث في وسائل الإعلام عن توصية بإلغاء «التقاعد المبكر» !!! والأغرب من كل ذلك أن التأمينات الاجتماعية تشتكي من العجوزات الإكتوارية بأرقام مخيفة بينما في نفس الوقت تستنفد سيولتها النقدية بالدخول في مزايدات على إصدارات السندات الحكومية الجديدة !!! في ظل وجود اختلالات وتناقضات في آلية عمل هاتين المؤسستين قد تؤدي -لا سمح الله- إلى نتائج تضر بمصالح المشتركين كما نشاهد إرهاصاتها الأولية الآن (تحديداً ما يتعلق بتعارض المصالح مع جهات حكومية نكن لها كل احترام)، أعتقد أنه آن الأوان لاستقلالية هاتين المؤسستين العملاقتين تماما عن وزارة العمل وعن وزارة الخدمة المدنية وعن جميع الأجهزة الحكومية، بالشكل الذي يتماشى مع الهياكل التنظيمية المطبقة في جميع دول العالم للمؤسسات المناظرة لهما وبالشكل الذي يعكس طبيعة المسؤوليات الملقاة على عاتقهما بحكم أنهما مؤسستان مؤتمنتان أمام الله عز وجل ثم أمام ولاة الأمر - حفظهم الله ورعاهم- على حماية وتنمية أموال المشتركين بالدرجة الاولى مهما كانت الظروف وهذا هو المطلوب في هذه المرحلة المهمة. نقلا عن الجزيرة