أنا متأكدة من أن الذي سيقرأ قرار وزارة التربية والتعليم - الذي يقضي بمنع مدارس البنات (بل ويتوعد بالعقوبة) من إقامة حفلة تخرج لهن - سيصاب بصدمة تربوية وحضارية، لأنه سيكتشف أن وزارة التربية والتعليم عالقة في أزمة تربوية حضارية. فهي مع الوقت نسيت أنها تسير في ركب من التطور التقني والحضاري والعلمي، بينما لا تلتفت إلا إلى كيف تصبح مؤسسة ضبط وحراسة ورقابة جافة وفقيرة، حتى صارت أشبه برقابة السجون وضبطها منها إلى ضبط تربوي يجيد الوصول إلى أهدافه العليا، التي تتماشى مع تطور الزمن ومعاصرته. وإن كانت السجون ملأى بالخطائين فإن المدارس ليست كذلك، بل هي ملأى بالطاقات الشابة النقية المنفتحة على عصرها، ما أرسلها أهلها إلى المدارس إلا كي تحصد العلم والمعرفة، مع إصرارها على الفرح بالحياة والنجاح، فما بال هذه الوزارة تجعل من نفسها عدوة للفرح؟ وإن أحسنا الظن فلن نقول عدوة للمعرفة التي لا نراها إلا شحيحة في الكتب واقفة عند زمن مضى. وزارة التربية والتعليم شحت وفقرت حتى صار طلابها الذكور لا يجيدون فنون الرياضة إلا خارجها، فصارت أجيالنا الحديثة مجرد جمهور كروي متعصب لفريقه، لا يجيد لعب الكرة في الملاعب، ويكتفي بالفرجة عليها في التلفزيون، وإن لعبها فإن ذلك لا يكون إلا في ملاعب بعيدة من ملاعب وزارة التربية والتعليم، وها هي اليوم تتحفنا بقرار يمنع طالباتها من أن يفرحن إذا ما نجحن في دروسهن في احتفال داخل المدرسة، تحت نظر المديرة والمشرفة وبين الصديقات والطالبات. وحيثيات قرارها المنشور في «الحياة» يقول إن ذلك المنع جاء كي يوقف حداً لمصاحبة الموسيقى في هذه الحفلات، والملابس العارية والشفافة التي ستلبسها الفتيات في احتفالهن الخاص والأنثوي خلف أسوارها العالية، ولا ندري ما مأخذ الوزارة على احتفال تلبس فيه الفتيات ثياباً قصيرة أو شفافة بين إناث مثلهن، إن كانت العورة في الإسلام بين المرأة والمرأة مثل العورة بين الرجل والرجل من السرة إلى الركبة. أما هلع الوزارة من الموسيقى فهلع لا نفهمه، فهي تعرف جيداً أن هذه الموسيقى تصاحب احتفالاتنا الوطنية مثلما في «الجنادرية» واليوم الوطني، وتجدها في إذاعاتنا المحلية وعلى شاشات التلفزيون في بيوتنا، إذ يتفرج الشباب يومياً على برامج المواهب، مثل «أراب آيدول» و«ذا فويس»، وغيرهما من البرامج. وزارة التربية والتعليم عالقة في آيديولوجيا تؤكد أنها تعيش في عصر قديم نقي وطاهر، لكنها مثل من يدس رأسه في الرمل. فهي تعادي نفسها وتعادي طلابها وطالباتها، وتقع في ورطة كبرى، إذ لا تفهم أيضاً أن وزيرها الحالي من فرسان الشعر، ويغني له أشهر المطربين، وتشتهر قصائده الرقيقة بالغزل والحب. في كتاب «ماضي مفرد مذكر» للكاتبة أميمة الخميس، تسرد الكاتبة التي عملت معلمة في مدارس التربية مأساة تراجيدية للكيفية التي تطمس فيها المدارس هوية الطالبات، وأكثر الصور التي أوجعتني في رمزيتها لهذا الضبط المسرف في قسوته، حرصُ مدارس البنات على نزع المرايا في دورات المياه، كي لا تنشغل البنات بتأمل وجوههن فيها، فتجدهن يقفن أمام لوح براد الماء المعدني يفتشن عن ملامحهن فيه، وحين تنزع المرايا من دورات المياه ستفتش الطالبات حتماً عن بديل، لأنك تعادي غريزة لن يطمسها المنع. ليس لديّ في الأخير إلا طلب واحد، أن يسهر الوزير ليلة واحدة على كتاب «ماضي مفرد مذكر»، فهو تقرير تربوي مهم، وحصيلة جهد معلمة صادف أنها أديبة حرصت على أن تقول شهادتها بأمانة قبل أن تتقاعد، كي تروي مأساة تربية وقعت على مدار 25 عاماً في مدارس البنات. تقول فيه إن تعليم البنات خاضع لتربية تنطلق مع الماضي الأحادي الذي صاغه الذكور، واستمر ذلك النهج في حاضر يقتضي المعاصرة والشراكة والتعددية نقلا عن الحياة اللبدنية