تزداد وتيرة البحث عن حلول مناسبة لتشابك المفاهيم في أمر «التصنيفات الفكرية» وسجالاتها الطويلة والمعقّدة، مع ما قد يطرح من حلول نظرية، وإجراءات شكلية، يترتب عليها مزيد من التداخل في مستويات فهم المجتمع للكثير من الظواهر الفكرية والقضايا الكبرى التي لا يستطيع الكثير منا الخوض حتى في خطوطها الهجائية الأولى!! عَرَضت صحيفتنا «الجزيرة» قبل أيام جانباً من دراسة أعدّها مركز الحوار الوطني حول التصنيفات الفكرية في المجتمع السعودي.. أما وإن جاء هذا العرض ملخصاً أو مختصراً، فإنه قد يفي بمقتضيات فهم العملية النوعية لبناء السلوك الاجتماعي والتنظيمي الراشد، الذي يسعى إلى تحقيق متطلبات التطور والبناء الحديث، والأخذ بزمام المبادرة في تهيئة مناخ حواري جاد يفضي إلى اتخاذ قرارات فنية وإجرائية مناسبة تحقق رفاهية المجتمع، وتنمي ذائقته ومعارفه. فالدراسة التي أجراها المركز حول التصنيفات ربما تُعَد خطوة مهمة لمعرفة سبل التفكير عند شرائح المجتمع، حينما أكدت على أنّ الغالبية العظمى من المجتمع السعودي يرون بأنّ وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والمختلفة ساهمت في توسيع دائرة التصنيفات الفكرية، بل ظهور تصنيفات جديدة وهي نسبة بلغت نحو 85 %.. إلاّ أنّ ما يلاحظ على هذه الدراسة - طالما أنها نشرت على الملأ ومن خلال الصحافة ووسائل الإعلام - فإنّ هناك من يشير إلى أهمية كشف النقاط الإجرائية التي مرت بها هذه الدراسة من خلال المركز الوطني، حيث يتطلّب منا التفكير بجدية وبسؤال مهم عن حاجتنا الملحّة إلى أجهزة رصد، وبرامج قياس، ووحدات استطلاع الرأي لكي تكون الطروحات أكثر عمقاً، وأوسع نشاطاً، لنتخلص من وسائل الاستبانات القديمة، ونسعى إلى عمل مهني ناجز، نوثق من خلاله مفاهيم البناء الإنساني وأولويات المجتمع واحتياجاته الضرورية ومن ثم الثقافية والمعرفية والفكرية. كما وأنّ للمركز دوراً أعمق في مد جسور التواصل مع المجتمع وفق رؤية تنظر للقاعدة وليس للقمة أو النخبة، حينما توجه إليهم هذه الرؤى باعتبارها حالة ملحّة وضرورية، فلا بد من مناقشة تداعياتها وتحوّلاتها والأخذ بمبدأ كشف الحقائق والسعي إلى العلاج تحقيقاً للأهداف المرجوّة. ومن الأجدى أيضاً أن تبتعد مثل هذه الدراسات عن فكرة الأبوية أو الرعاية أو الوصاية على نحو ما ورد في التقرير نصاً: (تهيئة فريق العمل وتزويدهم بالمعلومات اللازمة حول مفهوم التصنيفات الفكرية)، أي أنّ من قام بهذه الدراسة قد تم تغذيته بمعلومات معيّنة، أو تلقينه بما يراد، وليس هو من تبنّاها أو تفاعل معها وأدرك مغزاها!! وهذا يفرض أو يتطلّب قيام فرق متخصصة في هذا المجال الحيوي من أجل بناء منظومة عمل فكري وإنساني للمستقبل، وليس لما هو راهن في دور التفاعل والاستمزاج عبر الذاكرة، وفرز الذائقة التي تود أن تتصدى لما هو أهم من التصنيفات الفكرية، على نحو بناء علاقات وعي تنبع من القاعدة وتؤسس لقيم أولية، وأحكام ضرورية لا ترى في النخب ضالتها بقدر ما تبحث عن واقع معاش تجري عليه مفاصل بحثها، وتوقعاتها، وترتيب أولويات احتياجاتها الضرورية، ومن ثم الأهم .. فالأهم نقلا عن الجزيرة